أَطِيعُوا اللهَ وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ وَأُولِي الْأَمْرِ مِنْكُمْ) [النساء : ٥٩] ، أعيد (أَطِيعُوا) لاختلاف معنى الطاعتين ، لأن طاعة الله تنصرف إلى الأعمال الدينية ، وطاعة الرسول مراد بها طاعته في التصرفات الدنيوية ، ولذلك عطف على الرسول أولو الأمر من الأمة.
وقوله : (إِنَّهُ مِنْ سُلَيْمانَ) حكاية لمقالها ، وعرفت هي ذلك من عنوان الكتاب بأعلاه أو بظاهره على حسب طريقة الرسائل السلطانية في ذلك العهد في بني إسرائيل ، مثل افتتاح كتب رسول الله صلىاللهعليهوسلم إلى الملوك بجملة : «من محمد رسول الله».
وافتتاح الكتاب بجملة البسملة يدل على أن مرادفها كان خاصا بكتب النبي سليمان أن يتبع اسم الجلالة بوصفي : الرحمن الرحيم ، فصار ذلك سنة لافتتاح الأمور ذوات البال في الإسلام ادخره الله للمسلمين من بقايا سنة الأنبياء بعد أن تنوسي ذلك فإنه لم يعرف أن بني إسرائيل افتتحوا كتبهم باسم الله الرحمن الرحيم.
روى أبو داود في كتاب «المراسيل» : أن النبي صلىاللهعليهوسلم كان يكتب «باسمك اللهم» كما كانت قريش تكتب ، فلما نزلت هذه الآية صار يكتب «بسم الله الرحمن الرحيم» ، أي صار يكتب البسملة في أول كتبه. وأما جعلها فصلا بين السور أو آية من كل سورة فمسألة أخرى.
وكان كتاب سليمان وجيزا لأن ذلك أنسب بمخاطبة من لا يحسن لغة المخاطب فيقتصر له على المقصود لإمكان ترجمته وحصول فهمه فأحاط كتابه بالمقصود ، وهو تحذير ملكة سبأ من أن تحاول الترفع على الخضوع إلى سليمان والطاعة له كما كان شأن الملوك المجاورين له بمصر وصور والعراق.
فالإتيان المأمور به في قوله : (وَأْتُونِي مُسْلِمِينَ) هو إتيان مجازي مثل ما يقال : اتبع سبيلي.
و (مُسْلِمِينَ) مشتق من أسلم إذا تقلد الإسلام. وإطلاق اسم الإسلام على الدين يدل على أن سليمان إنما دعا ملكة سبأ وقومها إلى نبذ الشرك والاعتراف لله بالإلهية والوحدانية ولم يدعهم إلى اتباع شريعة التوراة لأنهم غير مخاطبين بها وأما دعوتهم إلى إفراد الله بالعبادة والاعتراف له بالوحدانية في الإلهية فذلك مما خاطب الله به البشر كلهم وشاع ذلك فيهم من عهد آدم ونوح وإبراهيم. وقد بيّنا ذلك عند قوله تعالى : (فَلا تَمُوتُنَّ إِلَّا وَأَنْتُمْ مُسْلِمُونَ) في سورة البقرة [١٣٢] ، قال تعالى : (أَلَمْ أَعْهَدْ إِلَيْكُمْ يا بَنِي آدَمَ أَنْ