وجملة : (قالَتْ رَبِّ إِنِّي ظَلَمْتُ نَفْسِي) جواب عن قول سليمان (إِنَّهُ صَرْحٌ مُمَرَّدٌ مِنْ قَوارِيرَ) ولذلك لم تعطف.
والإسلام : الانقياد إلى الله تعالى. وتقلّد بلقيس للتوحيد كان في خاصة نفسها لأنها دانت لله بذلك إذ لم يثبت أن أهل سبأ انخلعوا عن عبادة الأصنام كما يأتي في سورة سبأ. وأما دخول اليهودية بلاد اليمن فيأتي في سورة البروج. وسكت القرآن عن بقية خبرها ورجوعها إلى بلادها ، وللقصاصين أخبار لا تصح فهذا تمام القصة.
ومكان العبرة منها الاتعاظ بحال هذه الملكة ، إذ لم يصدّها علوّ شأنها وعظمة سلطانها مع ما أوتيته من سلامة الفطرة وذكاء العقل عن أن تنظر في دلائل صدق الداعي إلى التوحيد وتوقن بفساد الشرك وتعترف بالوحدانية لله ، فما يكون إصرار المشركين على شركهم بعد أن جاءهم الهدي الإسلامي إلا لسخافة أحلامهم أو لعمايتهم عن الحق وتمسكهم بالباطل وتصلبهم فيه. ولا أصل لما يذكره القصّاصون وبعض المفسرين من أن سليمان تزوج بلقيس ، ولا أن له ولدا منها. فإن رحبعام ابنه الذي خلفه في الملك كان من زوجة عمّونيّة.
(وَلَقَدْ أَرْسَلْنا إِلى ثَمُودَ أَخاهُمْ صالِحاً أَنِ اعْبُدُوا اللهَ فَإِذا هُمْ فَرِيقانِ يَخْتَصِمُونَ (٤٥))
هذا مثل ثالث ضربه الله لحال المشركين مع المؤمنين وجعله تسلية لرسولهصلىاللهعليهوسلم بأن له أسوة بالرسل والأنبياء من قبله.
والانتقال من ذكر ملك سليمان وقصّة ملكة سبأ إلى ذكر ثمود ورسولهم دون ذكر عاد لمناسبة جوار البلاد ، لأن ديار ثمود كانت على تخوم مملكة سليمان وكانت في طريق السائر من سبأ إلى فلسطين.
ألا ترى أنه أعقب ذكر ثمود بذكر قوم لوط وهم أدنى إلى بلاد فلسطين ، فكان سياق هذه القصص مناسبا لسياق السائر من بلاد اليمن إلى فلسطين. ولما كان ما حلّ بالقوم أهمّ ذكرا في هذا المقام قدم المجرور على المفعول لأن المجرور هو محل العبرة ، وأما المفعول فهو محلّ التسلية ، والتسلية غرض تبعيّ.
ولام القسم لتأكيد الإرسال باعتبار ما اتصل به من بقية الخبر ؛ فإما أن يكون التأكيد