لمجرد الاهتمام ، وإما أن يبنى على تنزيل المخاطبين منزلة من يتردد فيما تضمنه الخبر من تكذيب قومه إياه واستخفافهم بوعيد ربّهم على لسانه. وحلول العذاب بهم لأجل ذلك لأن حالهم في عدم العظة بما جرى للمماثلين في حالهم جعلهم كمن ينكر ذلك.
و (أَنِ اعْبُدُوا اللهَ) تفسير لما دل عليه (أَرْسَلْنا) من معنى القول. وفرع على (أَرْسَلْنا إِلى ثَمُودَ أَخاهُمْ صالِحاً) إلخ (فَإِذا هُمْ فَرِيقانِ يَخْتَصِمُونَ). فالمعنى : أرسلنا إلى ثمود أخاهم صالحا لإنقاذهم من الشرك ففاجأ من حالهم أن أعرض فريق عن الإيمان وآمن فريق.
والإتيان بحرف المفاجأة كناية عن كون انقسامهم غير مرضي فكأنّه غير مترقب ، ولذلك لم يقع التعرض لإنكار كون أكثرهم كافرين إشارة إلى أن مجرد بقاء الكفر فيهم كاف في قبح فعلهم. وحالهم هذا مساو لحال قريش تجاه الرسالة المحمدية. وأعيد ضمير (يَخْتَصِمُونَ) على المثنى وهو (فَرِيقانِ) باعتبار اشتمال الفريقين على عدد كثير. كقوله تعالى : (وَإِنْ طائِفَتانِ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ اقْتَتَلُوا) [الحجرات : ٩] ولم يقل : اقتتلتا.
والفريقان هما : فريق الذين استكبروا ، وفريق الذين استضعفوا وفيهم صالح. والفاء للتعقيب وهو تعقيب بحسب ما يقتضيه العرف بعد سماع الدعوة. والاختصام واقع مع صالح ابتداء ، ومع أتباعه تبعا.
(قالَ يا قَوْمِ لِمَ تَسْتَعْجِلُونَ بِالسَّيِّئَةِ قَبْلَ الْحَسَنَةِ لَوْ لا تَسْتَغْفِرُونَ اللهَ لَعَلَّكُمْ تُرْحَمُونَ (٤٦))
لما كان الاختصام بين الفريقين في شأن صالح ابتداء جيء بجواب صالح عما تضمنه اختصامهم من محاولتهم إفحامه بطلب نزول العذاب. فمقول صالح هذا ليس هو ابتداء دعوته فإنه تقدم قوله : (أَنِ اعْبُدُوا اللهَ) [النمل : ٤٥] ولكنه جواب عمّا تضمنه اختصامهم معه ، ولذلك جاءت جملة : (قالَ يا قَوْمِ) مفصولة جريا على طريقة المحاورة لأنها حكاية جواب عما تضمنه اختصامهم.
واقتصر على مراجعة صالح قومه في شأن غرورهم بظنهم أن تأخر العذاب أمارة على كذب الذي توعدهم به فإنهم قالوا : فآتنا (بِما تَعِدُنا إِنْ كُنْتَ مِنَ الصَّادِقِينَ) [الأعراف: ٧٠] كما حكي عنهم في سورة الأعراف لأن الغرض هنا موعظة قريش في قولهم : (فَأَمْطِرْ عَلَيْنا حِجارَةً مِنَ السَّماءِ أَوِ ائْتِنا بِعَذابٍ أَلِيمٍ) [الأنفال : ٣٢] بحال ثمود المساوي لحالهم