ليعلموا أن عاقبة ذلك مماثلة لعاقبة ثمود لتماثل الحالين قال تعالى : (وَيَسْتَعْجِلُونَكَ بِالْعَذابِ وَلَوْ لا أَجَلٌ مُسَمًّى لَجاءَهُمُ الْعَذابُ وَلَيَأْتِيَنَّهُمْ بَغْتَةً وَهُمْ لا يَشْعُرُونَ) [العنكبوت : ٥٣].
والاستفهام في قوله : (لِمَ تَسْتَعْجِلُونَ) إنكار لأخذهم بجانب العذاب دون جانب الرحمة.
فالسيئة : صفة لمحذوف ، أي بالحالة السيئة ، وكذلك (الْحَسَنَةِ).
فيجوز أن يكون المراد (بِالسَّيِّئَةِ) الحالة السيئة في معاملتهم إياه بتكذيبهم إياه. والمراد بالحسنة ضدّ ذلك ، أي تصديقهم لما جاء به ، فالاستعجال : المبادرة. والباء للملابسة. ومفعول (تَسْتَعْجِلُونَ) محذوف تقديره : تستعجلونني متلبسين بسيئة التكذيب. والمعنى : أنه أنكر عليهم أخذهم بطرف التكذيب إذ أعرضوا عن التدبر في دلائل صدقه ، أي إن كنتم مترددين في أمري فافرضوا صدقي ثم انظروا. وهذا استنزال بهم إلى النظر بدلا عن الإعراض ، ولذلك جمع في كلامه بين السيئة والحسنة.
ويجوز أن يكون المراد (بِالسَّيِّئَةِ) الحالة السيئة التي يترقبون حلولها ، وهي ما سألوا من تعجيل العذاب المحكي عنهم في سورة الأعراف ، وب (الْحَسَنَةِ) ضد ذلك أي حالة سلامتهم من حلول العذاب فالسيئة مفعول (تَسْتَعْجِلُونَ) والباء مزيدة لتأكيد اللصوق مثل ما في قوله تعالى : (وَامْسَحُوا بِرُؤُسِكُمْ) [المائدة : ٦].
والمعنى : إنكار جعلهم تأخير العذاب أمارة على كذب الوعيد به وأن الأولى بهم أن يجعلوا امتداد السلامة أمارة على إمهال الله إياهم فيتقوا حلول العذاب ، أي لم تبقون على التكذيب منتظرين حلول العذاب ، وكان الأجدر بكم أن تبادروا بالتصديق منتظرين عدم حلول العذاب بالمرة. وعلى كلا الوجهين فجواب صالح إياهم جار على الأسلوب الحكيم بجعل يقينهم بكذبه محمولا على ترددهم بين صدقه وكذبه.
وقوله : (قَبْلَ الْحَسَنَةِ) حال من السيئة. وهذا تنبيه لهم على خطئهم في ظنهم أنه لو كان صالح صادقا فيما توعدهم به لعجّل لهم به ، فما تأخيره إلا لأنه ليس بوعيد حق ، لأن العذاب أمر عظيم لا يجوز الدخول تحت احتماله في مجاري العقول. فالقبلية في قوله : (قَبْلَ الْحَسَنَةِ) مجاز في اختيار الأخذ بجانب احتمال السيئة وترجيحه على الأخذ بجانب الحسنة ، فكأنهم بادروا إليها فأخذوها قبل أن يأخذوا الحسنة.