الذي حكاه الله في قوله : (وَإِذْ يَمْكُرُ بِكَ الَّذِينَ كَفَرُوا لِيُثْبِتُوكَ أَوْ يَقْتُلُوكَ أَوْ يُخْرِجُوكَ وَيَمْكُرُونَ وَيَمْكُرُ اللهُ وَاللهُ خَيْرُ الْماكِرِينَ) [الأنفال : ٣٠] ؛ فضرب الله لهم مثلا بتآمر الرهط من قوم صالح عليه ومكرهم وكيف كان عاقبة مكرهم ، ولذلك ترى بين الآيتين تشابها وترى تكرير ذكر مكرهم ومكر الله بهم ، وذكر أن في قصتهم آية لقوم يعلمون.
[٥٠ ـ ٥٣] (وَمَكَرُوا مَكْراً وَمَكَرْنا مَكْراً وَهُمْ لا يَشْعُرُونَ (٥٠) فَانْظُرْ كَيْفَ كانَ عاقِبَةُ مَكْرِهِمْ أَنَّا دَمَّرْناهُمْ وَقَوْمَهُمْ أَجْمَعِينَ (٥١) فَتِلْكَ بُيُوتُهُمْ خاوِيَةً بِما ظَلَمُوا إِنَّ فِي ذلِكَ لَآيَةً لِقَوْمٍ يَعْلَمُونَ (٥٢) وَأَنْجَيْنَا الَّذِينَ آمَنُوا وَكانُوا يَتَّقُونَ (٥٣))
سمّى الله تآمرهم مكرا لأنه كان تدبير ضرّ في خفاء. وأكد مكرهم بالمفعول المطلق للدلالة على قوته في جنس المكر ، وتنوينه للتعظيم.
والمكر الذي أسند إلى اسم الجلالة مكر مجازي. استعير لفظ المكر لمبادرة الله إياهم باستئصالهم قبل أن يتمكنوا من تبييت صالح وأهله ، وتأخيره استئصالهم إلى الوقت الذي تآمروا فيه على قتل صالح لشبه فعل الله ذلك بفعل الماكر في تأجيل فعل إلى وقت الحاجة ، مع عدم إشعار من يفعل به.
وأكد مكر الله وعظّم كما أكد مكرهم وعظّم ، وذلك بما يناسب جنسه ، فإن عذاب الله لا يدانيه عذاب الناس فعظيمه أعظم من كل ما يقدره الناس.
والمراد بالمكر المسند إلى الجلالة هو ما دلت عليه جملة : (أَنَّا دَمَّرْناهُمْ وَقَوْمَهُمْ أَجْمَعِينَ) الآية.
وفي قوله : (وَهُمْ لا يَشْعُرُونَ) تأكيد لاستعارة المكر لتقدير الاستئصال فليس في ذلك ترشيح للاستعارة ولا تجريد.
والخطاب في قوله : (فَانْظُرْ) للنبي صلىاللهعليهوسلم. واقترانه بفاء التفريع إيماء إلى أن الاعتبار بمكر الله بهم هو المقصود من سوق القصة تعريضا بأن عاقبة أمره مع قريش أن يكفّ عنه كيدهم وينصره عليهم ، وفي ذلك تسلية له على ما يلاقيه من قومه.
والنظر : نظر قلبي ، وقد علق عن المفعولين بالاستفهام.
وقرأ الجمهور : (أَنَّا دَمَّرْناهُمْ) بكسر الهمزة فتكون الجملة مستأنفة استئنافا بيانيا لما