باختلاف الاعتبار. فالشرك مثلا حقيقة معروفة يكون بها جنسا عقليا وهو بالنظر إلى ما يبعث عليه وما ينشأ عنه ينتسب إلى حقائق أخرى مثل الظلم ، أي الاعتداء على الناس بأخذ حقوقهم فإنه من أسبابه ، ومثل الفسق فإنه من آثاره ، وكذلك التكذيب فإنه من آثاره أيضا : (وَذَرْنِي وَالْمُكَذِّبِينَ) [المزمل : ١١] ، ومثل الكبر ومثل الإسراف فإنهما من آثاره أيضا : فمن أساليب القرآن أن يعبر عن الشرك بألفاظ هذه الحقائق للإشارة إلى أنه جامع عدة فظائع ، وللتنبيه على انتسابه إلى هذه الأجناس ، وليعلم المؤمنون فساد هذه الحقائق من حيث هي فيعبر عنه هنا بالظلم وهو كثير ليعلم السامع أن جنس الظلم قبيح مذموم ، ناهيك أن الشرك من أنواعه. وكذلك قوله : (إِنَّ اللهَ لا يَهْدِي مَنْ هُوَ مُسْرِفٌ كَذَّابٌ) [غافر : ٢٨] أي هو متأصل في الشرك وإلا فإن الله هدى كثيرا من المسرفين والكاذبين بالتوبة ، ومن قوله : (أَلَيْسَ فِي جَهَنَّمَ مَثْوىً لِلْمُتَكَبِّرِينَ) [الزمر : ٦٠] ونحو ذلك.
وجملة : (إِنَّ فِي ذلِكَ لَآيَةً) معترضة بين الجمل المتعاطفة. والإشارة إلى ما ذكر من عاقبة مكرهم. والآية : الدليل على انتصار الله لرسله.
واللام في (لِقَوْمٍ يَعْلَمُونَ) لام التعليل يعني آية لأجلهم ، أي لأجل إيمانهم. وفيه تعريض بأن المشركين الذين سبقت إليهم هذه الموعظة إن لم يتعظوا بها فهم قوم لا يعلمون.
وفي ذكر كلمة (قوم) إيماء إلى أن من يعتبر بهذه الآية متمكن في العقل حتى كان العقل من صفته القومية ، كما تقدم في قوله تعالى : (لَآياتٍ لِقَوْمٍ يَعْقِلُونَ) في سورة البقرة [١٦٤].
وفي تأخير جملة : (وَأَنْجَيْنَا الَّذِينَ آمَنُوا وَكانُوا يَتَّقُونَ) عن جملة : (إِنَّ فِي ذلِكَ لَآيَةً لِقَوْمٍ يَعْلَمُونَ) طمأنة لقلوب المؤمنين بأن الله ينجيهم مما توعد به المشركين كما نجى الذين آمنوا وكانوا يتّقون من ثمود وهم صالح ومن آمن معه. وقيل : كان الذين آمنوا مع صالح أربعة آلاف ، فلما أراد الله إهلاك ثمود أوحى الله إلى صالح أن يخرج هو ومن معه فخرجوا ونزلوا في موضع الرسّ فكان أصحاب الرسّ من ذرياتهم. وقيل : نزلوا شاطئ اليمن وبنوا مدينة حضرموت. وفي بعض الروايات أن صالحا نزل بفلسطين. وكلها أخبار غير موثوق بها.
وزيادة فعل الكون في (وَكانُوا يَتَّقُونَ) للدلالة على أنهم متمكّنون من التقوى.