والتعرض إلى تمتيع آبائهم هنا مع أن نسيان الذكر إنما حصل من المشركين الذين بلغتهم الدعوة المحمدية ونسوا الذكر ، أي القرآن ، هو زيادة تعظيم نعمة التمتيع عليهم بأنها نعمة متأثلة تليدة ، مع الإشارة إلى أن كفران النعمة قد انجرّ لهم من آبائهم الذين سنّوا لهم عبادة الأصنام. ففيه تعريض بشناعة الإشراك ولو قبل مجيء الرسول صلىاللهعليهوسلم.
وبهذا يظهر أن ضمير (نَسُوا) وضمير (كانُوا) عائدان إلى الظالمين المكذبين بالإسلام دون آبائهم لأن الآباء لم يسمعوا الذكر.
والنسيان مستعمل في الإعراض عن عمد على وجه الاستعارة لأنه إعراض يشبه النسيان في كونه عن غير تأمل ولا بصيرة. وتقدم في قوله تعالى : (وَتَنْسَوْنَ ما تُشْرِكُونَ) في سورة الأنعام [٤١].
والذكر : القرآن لأنه يتذكر به الحق ، وقد تقدم في قوله تعالى : (وَقالُوا يا أَيُّهَا الَّذِي نُزِّلَ عَلَيْهِ الذِّكْرُ إِنَّكَ لَمَجْنُونٌ) في سورة الحجر [٦].
والبور : جمع بائر كالعوذ جمع عائذ ، والبائر : هو الذي أصابه البوار ، أي الهلاك. وتقدم في قوله تعالى : (وَأَحَلُّوا قَوْمَهُمْ دارَ الْبَوارِ) [إبراهيم : ٢٨] أي الموت. وقد استعير البور لشدة سوء الحالة بناء على العرف الذي يعد الهلاك آخر ما يبلغ إليه الحي من سوء الحال كما قال تعالى : (يُهْلِكُونَ أَنْفُسَهُمْ) [التوبة : ٤٢] ، أي سوء حالهم في نفس الأمر وهم عنه غافلون. وقيل : البوار الفساد في لغة الأزد وأنه وما اشتق منه مما جاء في القرآن بغير لغة مضر.
واجتلاب فعل (كان) وبناء (بُوراً) على (قَوْماً) دون أن يقال : حتى نسوا الذكر وباروا للدلالة على تمكن البوار منهم بما تقتضيه (كان) من تمكن معنى الخبر ، وما يقتضيه (قوما) من كون البوار من مقومات قوميتهم كما تقدم عند قوله تعالى : (لَآياتٍ لِقَوْمٍ يَعْقِلُونَ) في سورة البقرة [١٦٤].
(فَقَدْ كَذَّبُوكُمْ بِما تَقُولُونَ فَما تَسْتَطِيعُونَ صَرْفاً وَلا نَصْراً وَمَنْ يَظْلِمْ مِنْكُمْ نُذِقْهُ عَذاباً كَبِيراً (١٩))
(فَقَدْ كَذَّبُوكُمْ بِما تَقُولُونَ فَما تَسْتَطِيعُونَ صَرْفاً وَلا نَصْراً).
الفاء فصيحة ، أي إفصاح عن حجة بعد تهيئة ما يقتضيها ، وهو إفصاح رائع وزاده