المشركين فيقول لهم هذا الكلام ، بقرينة قوله أما تشركون بصيغة الخطاب في قراءة الجمهور ، ولأن المناسب للاستفهام أن يكون موجها إلى الذين أشركوا بالله ما لا يخلق ولا يرزق ولا يفيض النعم ولا يستجيب الدعاء ، فليس هذا لقصد إثبات التوحيد للمسلمين.
والاستفهام مستعمل في الإلجاء وإلزام المخاطب بالإقرار بالحق وتنبيهه على خطئه. وهذا دليل إجمالي يقصد به ابتداء النظر في التحقيق بالإلهية والعبادة. فهذا من قبيل ما قال الباقلاني وإمام الحرمين وابن فورك إن أول الواجبات أول النظر أو القصد إلى النظر ثم تأتي بعده الأدلة التفصيلية ، وقد ناسب إجماله أنه دليل جامع لما يأتي من التفاصيل فلذلك جيء فيه بالاسم الجامع لمعاني الصفات كلها ، وهو اسم الجلالة. فقيل : (آللهُ خَيْرٌ). وجيء فيما بعد بالاسم الموصول لما في صلاته من الصفات.
وجاء (خَيْرٌ) بصيغة التفضيل لقصد مجاراة معتقدهم أن أصنامهم شركاء الله في الإلهية بحيث كان لهم حظ وافر من الخير في زعمهم ، فعبّر ب (خَيْرٌ) لإيهام أن المقام لإظهار رجحان إلهية الله تعالى على أصنامهم استدراجا لهم في التنبيه على الخطأ مع التهكم بهم إذ آثروا عبادة الأصنام على عبادة الله. والعاقل لا يؤثر شيئا على شيء إلا لداع يدعو إلى إيثاره ، ففي هذا الاستفهام عن الأفضل في الخير تنبيه لهم على الخطأ المفرط والجهل المورط لتنفتح بصائرهم إلى الحق إن أرادوا اهتداء. والمعنى : أالله الحقيق بالإلهية أم ما تشركونهم معه.
والاستفهام على حقيقته بقرينة وجود أم المعادلة للهمزة فإن التهكم يبنى على الاستعمال الحقيقي.
وهذا الكلام كالمقدمة للأدلة الآتية جميعها على هذا الدليل الإجمالي كما ستعلمه ..
وقرأ الجمهور تشركون بتاء الخطاب. وقرأه أبو عمرو وعاصم ويعقوب بياء الغيبة فيكون القول الذي أمر به النبي صلىاللهعليهوسلم محكيا بالمعنى روعي فيه غيبة المشركين في مقام الخطاب بالأمر.
وما موصولة والعائد محذوف. والتقدير : ما يشركونها إياه ، أي أصنامكم.
(أَمَّنْ خَلَقَ السَّماواتِ وَالْأَرْضَ وَأَنْزَلَ لَكُمْ مِنَ السَّماءِ ماءً فَأَنْبَتْنا بِهِ حَدائِقَ