والرواسي : الجبال ، جمع راس وهو الثابت. واللام في (لَها) لام العلة ، أي الرواسي لأجلها أي لفائدتها ، فإن في تكوين الجبال حكمة لدفع الملاسة عن الأرض ليكون سيرها في الكرة الهوائية معدلا غير شديد السرعة وبذلك دوام سيرها.
وجعل الحاجز بين البحرين من بديع الحكمة ، وهو حاجز معنوي حاصل من دفع كلا الماءين : أحدهما الآخر عن الاختلاط به ، بسبب تفاوت الثقل النسبي لاختلاف الأجزاء المركب منها الماء الملح والماء العذب. فالحاجز حاجز من طبعهما وليس جسما آخر فاصلا بينهما ، وتقدم في سورة النحل.
وهذا الجعل كناية عن خلق البحرين أيضا لأن الحجز بينهما يقتضي خلقهما وخلق الملوحة والعذوبة فيهما.
ثم ذيّل بالاستفهام الإنكاري وبالاستدراك بجملة مماثلة لما ذيّل به الاستدلال الذي قبلها على طريقة التكرير تعديدا للإنكار وتمهيدا للتوبيخ بقوله (بَلْ أَكْثَرُهُمْ لا يَعْلَمُونَ). وأوثر هنا نفي صفة العلم عن أكثر المشركين لقلة من ينظر في دقائق هذه المصنوعات وخصائصها منهم فإن اعتياد مشاهدتها من أول نشأة الناظر يذهله عما فيها من دلائل بديع الصنع. فأكثر المشركين يجهل ذلك ولا يهتدي بما فيه ، أما المؤمنون فقد نبههم القرآن إلى ذلك فهم يقرءون آياته المتكرر فيها الاستدلال والنظر.
وهذه الدلائل لا تخلو عن نعمة من ورائها كما علمته آنفا ولكنها سيقت هنا لإرادة الاستدلال لا للامتنان.
(أَمَّنْ يُجِيبُ الْمُضْطَرَّ إِذا دَعاهُ وَيَكْشِفُ السُّوءَ وَيَجْعَلُكُمْ خُلَفاءَ الْأَرْضِ أَإِلهٌ مَعَ اللهِ قَلِيلاً ما تَذَكَّرُونَ (٦٢))
ارتقى الاستدلال من التذكير بالتصرف الرباني في ذوات المخلوقات إلى التذكير بتصرفه في أحوال الناس التي لا يخلو عنها أحد في بعض شئون الحياة وذلك حال الاضطرار إلى تحصيل الخير ، وحال انتياب السوء ، وحال التصرف في الأرض ومنافعها. فهذه ثلاثة الأنواع لأحوال البشر. وهي : حالة الاحتياج ، وحالة البؤس ، وحالة الانتفاع.
فالأولى : هي المضمنة في قوله (أَمَّنْ يُجِيبُ الْمُضْطَرَّ إِذا دَعاهُ) فالمضطر هو ذو الضرورة أي الحالة المحوجة إلى الأشياء العسرة الحصول ، وهذه مرتبة الحاجيات فالمرء