الأرض.
[٦٥ ـ ٦٦] (قُلْ لا يَعْلَمُ مَنْ فِي السَّماواتِ وَالْأَرْضِ الْغَيْبَ إِلاَّ اللهُ وَما يَشْعُرُونَ أَيَّانَ يُبْعَثُونَ (٦٥) بَلِ ادَّارَكَ عِلْمُهُمْ فِي الْآخِرَةِ بَلْ هُمْ فِي شَكٍّ مِنْها بَلْ هُمْ مِنْها عَمُونَ (٦٦))
لما أبطلت الآيات السابقة إلهية أصنام المشركين بالأدلة المتظاهرة فانقطع دابر عقيدة الإشراك ثني عنان الإبطال إلى أثر من آثار الشرك وهو ادعاء علم الغيب بالكهانة وإخبار الجن ، كما كان يزعمه الكهان والعرافون وسدنة الأصنام. ويؤمن بذلك المشركون. وفي «معالم التنزيل» وغيره نزلت في المشركين حين سألوا رسول الله صلىاللهعليهوسلم عن وقت قيام الساعة فما كان سؤالهم عن ذلك إلا لظنهم أن ادعاء العلم بوقتها من شأن النبوءة توصلا لجحد النبوءة إن لم يعين لهم وقت الساعة فأبطلت الآية هذه المزاعم إبطالا عاما معياره الاستثناء بقوله (إِلَّا اللهُ). وهو عام مراد به الخصوص أعني خصوص الكهان وسدنة بيوت الأصنام. وإنما سلك مسلك العموم لإبطال ما عسى أن يزعم من ذلك ، ولأن العموم أكثر فائدة وأوجز ، فإن ذلك حال أهل الشرك من بين من في السماوات والأرض. فالقصد هنا تزييف آثار الشرك وهو الكهانة ونحوها. وإذ قد كانت المخلوقات لا يعدون أن يكونوا من أهل السموات أو من أهل الأرض لانحصار عوالم الموجودات في ذلك كان قوله (لا يَعْلَمُ مَنْ فِي السَّماواتِ وَالْأَرْضِ الْغَيْبَ) في قوة لا يعلم أحد الغيب ، ولكن أطنب الكلام لقصد التنصيص على تعميم المخلوقات كلها فإن مقام علم العقيدة مقام بيان يناسبه الإطناب.
واستثناء (إِلَّا اللهُ) منه لتأويل (مَنْ فِي السَّماواتِ وَالْأَرْضِ) بمعنى : أحد ، فهو استثناء متصل على رأي المحققين وهو واقع من كلام منفي. فحق المستثنى أن يكون بدلا من المستثنى منه في اللغة الفصحى فلذلك جاء اسم الجلالة مرفوعا ولو كان الاستثناء منقطعا لكانت اللغة الفصحى تنصب المستثنى.
وبعد فإن دلائل تنزيه الله عن الحلول في المكان وعن مماثلة المخلوقات متوافرة فلذلك يجري استعمال القرآن والسنة على سنن الاستعمال الفصيح للعلم بأن المؤمن لا يتوهم ما لا يليق بجلال الله تعالى. ومن المفسرين من جعل الاستثناء منقطعا وقوفا عند ظاهر صلة (مَنْ فِي السَّماواتِ وَالْأَرْضِ) لأن الله ينزّه عن الحلول في السماء والأرض.
وأما من يتفضل الله عليه بأن يظهره على الغيب فذلك داخل في علم الله قال تعالى