عن بعض ما يعلمون في شأن الآخرة وهو ما اشتهر عنهم من إنكار الحياة الآخرة ، أو قد اضطرب ما يعلمونه في شأن الآخرة وأنهم سيعلمون ذلك لا محالة في يوم الدار الآخرة.
وحاصل المعنى على قراءة ابن كثير وأبي عمرو وأبي جعفر : ما يشعرون أيّان يبعثون فإنهم لا علم لهم بالحياة الآخرة ، أي جهلوا الحياة الآخرة.
أما عدد القراءات الشاذة في هذه الجملة فبلغت عشرا.
وأما جملة (بَلْ هُمْ فِي شَكٍّ مِنْها) فهو إضراب انتقال للارتقاء من كونهم اضطرب علمهم في الآخرة ، أو تقلد خلفهم ما لقنه سلفهم ، أو من أنهم انتفى عملهم في الآخرة إلى أن ذلك الاضطراب في العلم قد أثار فيهم شكا من وقوع الآخرة. و (من) للابتداء المجازي ، أي في شك ناشئ عن أمر الآخرة. وجيء بالجملة الاسمية للدلالة على ثبات الخبر ودوامه ، والظرفية للدلالة على إحاطة الشك بهم.
وجملة (بَلْ هُمْ مِنْها عَمُونَ) ارتقاء ثالث وهو آخر درجات الارتقاء في إثبات ضلالهم وهو أنهم عميان عن شأن الآخرة.
و (عَمُونَ) : جمع عم بالتنوين وهو فعل من العمى ، صاغوا له مثال المبالغة للدلالة على شدة العمى ، وهو تشبيه عدم العلم بالعمى ، وعادم العلم بالأعمى. وقال زهير:
وأعلم علم اليوم والأمس قبله |
|
ولكنني عن علم ما في غد عم |
فشبه ضلالهم عن البعث بالعمى في عدم الاهتداء إلى المطلوب تشبيه المعقول بالمحسوس.
و (من) في قوله (مِنْها عَمُونَ) للابتداء المجازي ، جعل عماهم وضلالهم في إثبات الآخرة كأنه ناشئ لهم من الآخرة إذ هي سبب عماهم ، أي إنكارها سبب ضلالهم. وفي الكلام مضاف محذوف تقديره : من إنكار وجودها عمون ، فالمجرور متعلق ب (عَمُونَ). وقدم على متعلقه للاهتمام بهذا المتعلق وللرعاية على الفاصلة. وصيغت الجملة الاسمية للدلالة على الثبات كما في قوله (بَلْ هُمْ فِي شَكٍّ مِنْها).
وترتيب هذه الاضرابات الثلاثة ترتيب لتنزيل أحوالهم ؛ فوصفوا أولا بأنهم لا يشعرون بوقت البعث ثم بأنهم تلقفوا في شأن الآخرة التي البعث من شئونها علما مضطربا أو جهلا فخبطوا في شك ومرية ، فأعقبهم عمى وضلالة بحيث إن هذه الانتقالات مندرجة متصاعدة حتى لو قيل : بل ادّارك علمهم في الآخرة فهم في شك منها فهم منها