والتأكيد ب (إِنَ) واللام منظور فيه إلى حال الناس لا إلى حال النبي صلىاللهعليهوسلم ، فالتأكيد واقع موقع التعريض بهم بقرينة قوله (وَلَكِنَّ أَكْثَرَهُمْ لا يَشْكُرُونَ).
و (لَكِنَ) استدراك ناشئ عن عموم الفضل منه تعالى فإن عمومه وتكرره يستحق بأن يعلمه الناس فيشكروه ولكن أكثر الناس لا يشكرون كهؤلاء الذين قالوا (مَتى هذَا الْوَعْدُ) [النمل : ٧١] فإنهم يستعجلون العذاب تهكما وتعجيزا في زعمهم غير قادرين قدر نعمة الإمهال.
(وَإِنَّ رَبَّكَ لَيَعْلَمُ ما تُكِنُّ صُدُورُهُمْ وَما يُعْلِنُونَ (٧٤))
موقع هذا موقع الاستئناف البياني لأن قوله (وَإِنَّ رَبَّكَ لَذُو فَضْلٍ عَلَى النَّاسِ) [النمل : ٧٣] يثير سؤالا في نفوس المؤمنين أن يقولوا : إن هؤلاء المكذبين قد أضمروا المكر وأعلنوا الاستهزاء فحالهم لا يقتضي إمهالهم؟ فيجاب بأن الذي أمهلهم مطلع على ما في صدورهم وما أعلنوه وأنه أمهلهم مع علمه بهم لحكمة يعلمها.
وفيه إشارة إلى أنهم يكنون أشياء للنبي صلىاللهعليهوسلم وللمؤمنين ، منها : أنهم يتربصون بهم الدوائر ، وأنهم تخامر نفوسهم خواطر إخراجه وإخراج المؤمنين. وهذا الاستئناف لما كان ذا جهة من معنى وصف الله بإحاطة العلم عطفت جملته على جملة وصف الله بالفضل ، فحصل بالعطف غرض ثان منهم ، وحصل معنى الاستئناف البياني من مضمون الجملة.
وأما التوكيد ب (إِنَ) فهو على نحو توكيد الجملة التي قبله. ولك أن تجعله لتنزيل السائل منزلة المتردد وذلك تلويح بالعتاب.
و (تُكِنُ) تخفي وهو من (أكن) إذا جعل شيئا كانّا ، أي حاصلا في كن. والكنّ: المسكن. وإسناد (تُكِنُ) إلى الصدور مجاز عقلي باعتبار أن الصدور مكانه. والإعلان : الإظهار.
(وَما مِنْ غائِبَةٍ فِي السَّماءِ وَالْأَرْضِ إِلاَّ فِي كِتابٍ مُبِينٍ (٧٥))
عطف على جملة (وَإِنَّ رَبَّكَ لَيَعْلَمُ ما تُكِنُّ صُدُورُهُمْ وَما يُعْلِنُونَ) [النمل : ٧٤]. وهو في معنى التذييل للجملة المذكورة لأنها ذكر منها علم الله بضمائرهم فذيل ذلك بأن الله يعلم كل غائبة في السماء والأرض.
وإنما جاء معطوفا لأنه جدير بالاستقلال بذاته من حيث إنه تعليم لصفة علم الله