مما اختلفوا فيه.
والتأكيد ب (إِنَ) مثل ما تقدم في نظائره. وأكثر الذي يختلفون فيه هو ما جاء في القرآن من إبطال قولهم فيما يقتضي إرشادهم إلى الحق أن يبين لهم ، وغير الأكثر ما لا مصلحة في بيانه لهم.
ومن مناسبة التنبيه على أن القرآن يقص على بني إسرائيل أكثر ما هم فيه مختلفون ، أن ما قصه مما جرى بين ملكة سبأ مع سليمان كان فيه مما يخالف ما في كتاب الملوك الأول وكتاب الأيام الثاني ففي ذينك الكتابين أن ملكة سبأ تحملت وجاءت إلى أورشليم من تلقاء نفسها محبة منها في الاطلاع على ما بلغ مسامعها من عظمة ملك سليمان وحكمته ، وأنها بعد ضيافتها عند سليمان قفلت إلى مملكتها. وليس مما يصح في حكم العقل وشواهد التاريخ في تلك العصور أن ملكة عظيمة كملكة سبأ تعمد إلى الارتحال عن بلدها وتدخل بلد ملك آخر غير هائبة ، لو لا أنها كانت مضطرة إلى ذلك بسياسة ارتكاب أخف الضررين إذ كان سليمان قد ألزمها بالدخول في دائرة نفوذ ملكه ، فكان حضورها لديه استسلاما واعترافا له بالسيادة بعد أن تنصلت من ذلك بتوجيه الهدية وبعد أن رأت العزم من سليمان على وجوب امتثال أمره.
ومن العجيب إهمال كتّاب اليهود دعوة سليمان بلقيس إلى عقيدة التوحيد وهل يظن بنبي أن يقر الشرك على منتحليه.
(وَإِنَّهُ لَهُدىً وَرَحْمَةٌ لِلْمُؤْمِنِينَ (٧٧))
هذا راجع إلى قوله في طالع السورة (هُدىً وَبُشْرى لِلْمُؤْمِنِينَ) [النمل : ٢] ذكر هنا لاستيعاب جهات هدي القرآن. أما كونه هدى للمؤمنين فظاهر ، وأما كونه رحمة لهم فلأنهم لما اهتدوا به قد نالوا الفوز في الدنيا بصلاح نفوسهم واستقامة أعمالهم واجتماع كلمتهم ، وفي الآخرة بالفوز بالجنة. والرسالة المحمدية وإن كانت رحمة للعالمين كلهم كما تقدم في قوله تعالى (وَما أَرْسَلْناكَ إِلَّا رَحْمَةً لِلْعالَمِينَ) في سورة [الأنبياء : ١٠٧] فرحمته للمؤمنين أخص.
والتأكيد بإن منظور فيه إلى المعرض كما تقدم في قوله (وَإِنَّ رَبَّكَ لَذُو فَضْلٍ عَلَى النَّاسِ) [النمل : ٧٣].