ولأجل اعتبار كلا الأثرين المبنيّ عليه ورود تشبيهين كرر ذكر الترشيحين فعطف (وَلا تُسْمِعُ الصُّمَ) على (لا تُسْمِعُ الْمَوْتى) ، ولم يكتف بأن يقال : إنك لا تسمع الموتى ولا الصم.
وتقييد الصم بزمان توليهم مدبرين لأن تلك الحالة أوغل في انتفاء إسماعهم لأن الأصم إذا كان مواجها للمتكلم قد يسمع بعض الكلام بالصراخ ويستفيد بقيته بحركة الشفتين ، فأما إذا ولى مدبرا فقد ابتعد عن الصوت ولم يلاحظ حركة الشفتين فذلك أبعد له عن السمع.
واستدلت عائشة رضياللهعنها بهذه الآية على رد ظاهر حديث ابن عمر : «أن رسول اللهصلىاللهعليهوسلم وقف على قليب بدر وفيه قتلى المشركين فناداهم بأسمائهم وقال : هل وجدتم ما وعد ربكم حقا ، قال ابن عمر : فقيل له : يا رسول الله أتنادي أمواتنا فقال : إنهم الآن يسمعون ما أقول لهم». فقالت عائشة : إنما قال النبيصلىاللهعليهوسلم : إنهم الآن ليعلمون أن الذي كنت أقول لهم هو الحق ثم قرأت (إِنَّكَ لا تُسْمِعُ الْمَوْتى) حتى قرأت الآية.
وهذا من الاستدلال بظاهر الدلالة من القرآن ولو باحتمال مرجوح كما بيناه في المقدمة التاسعة. وإلا فإن الموتى هنا استعارة وليس بحقيقة.
وضميرا (وَلَّوْا مُدْبِرِينَ) عائدان إلى الصم ، وهو تتميم للتشبيه حيث شبهوا في عدم بلوغ الأقوال إلى عقولهم بصم ولوا مدبرين ، فإن المدبر يبعد عن مكان من يكلمه فكان أبعد عن الاستماع كما تقدم آنفا.
(وَما أَنْتَ بِهادِي الْعُمْيِ عَنْ ضَلالَتِهِمْ إِنْ تُسْمِعُ إِلاَّ مَنْ يُؤْمِنُ بِآياتِنا فَهُمْ مُسْلِمُونَ (٨١))
(وَما أَنْتَ بِهادِي الْعُمْيِ عَنْ ضَلالَتِهِمْ).
كرر تشبيه المشركين في إعراضهم عن الحق بأن شبهوا في ذلك بالعمي بعد أن شبهوا بالموتى وبالصم على طريقة الاستعارة إطنابا في تشنيع حالهم الموصوفة على ما هو المعروف عند البلغاء في تكرير التشبيه كما تقدم عند قوله تعالى (أَوْ كَصَيِّبٍ مِنَ السَّماءِ) في سورة البقرة [١٩].
وحسن هذا التكرير هنا ما بين التشبيهين من الفروق مع اتحاد الغاية ؛ فإنهم شبهوا