والتعبير بالماضي في قوله (وَقَعَ) هنا على حقيقته ، وأعيد ذكره تعظيما لهوله ويجوز أن تكون الواو عاطفة والقول هو القول الأول وعطفت الجملة على الجملة المماثلة لها ليبنى عليها سبب وقوع القول وهو أنه بسبب ظلمهم وليفرع عليه قوله (فَهُمْ لا يَنْطِقُونَ).
والتعبير بفعل المضي على هذا الوجه لأنه محقق الحصول في المستقبل فجعل كأنه حصل ومضى.
و (بِما ظَلَمُوا) بمعنى المصدر ، والباء للسببية ، أي بسبب ظلمهم ، والظلم هنا الشرك وما يتبعه من الاعتداء على حقوق الله وحقوق المؤمنين فكان ظلمهم سبب حلول الوعيد بهم ، وفي الحديث «الظلم ظلمات يوم القيامة» فكل من ظلم سيقع عليه القول الموعود به الظالمون لأن الظلم ينتسب إلى الشرك وينتسب هذا إليه كما تقدم عند قوله تعالى (فَتِلْكَ بُيُوتُهُمْ خاوِيَةً بِما ظَلَمُوا) في هذه السورة [٥٢].
وجملة (فَهُمْ لا يَنْطِقُونَ) مفرعة على (وَقَعَ الْقَوْلُ) أي وقع عليهم وقوعا يمنعهم الكلام ، أي كلام الاعتذار أو الإنكار ، أي فوجموا لوقوع ما وعدوا به قال تعالى (هذا يَوْمُ لا يَنْطِقُونَ وَلا يُؤْذَنُ لَهُمْ فَيَعْتَذِرُونَ) [المرسلات : ٣٥ ، ٣٦].
(أَلَمْ يَرَوْا أَنَّا جَعَلْنَا اللَّيْلَ لِيَسْكُنُوا فِيهِ وَالنَّهارَ مُبْصِراً إِنَّ فِي ذلِكَ لَآياتٍ لِقَوْمٍ يُؤْمِنُونَ (٨٦))
هذا الكلام متصل بقوله (وَوَقَعَ الْقَوْلُ عَلَيْهِمْ بِما ظَلَمُوا) [النمل : ٨٥] أي بما أشركوا ، فذكرهم بدلائل الوحدانية بذكر أظهر الآيات وأكثرها تكرارا على حواسهم وأجدرها بأن تكون مقنعة في ارعوائهم عن شركهم. وهي آية ملازمة لهم طول حياتهم تخطر ببالهم مرتين كل يوم على الأقل. وتلك هي آية اختلاف الليل والنهار الدالة على انفراده تعالى بالتصرف في هذا العالم ؛ فأصنامهم تخضع لمفعولها فتظلم ذواتهم في الليل وتنير في النهار ، وفيها تذكير بتمثيل الموت والحياة بعده بسكون الليل وانبثاق النهار عقبه.
والجملة معترضة بين جملة (وَوَقَعَ الْقَوْلُ عَلَيْهِمْ) [النمل : ٨٥] وجملة (وَيَوْمَ يُنْفَخُ فِي الصُّورِ) [النمل : ٨٧] ليتخلل الوعيد بالاستدلال فتكون الدعوة إلى الحق بالإرهاب تارة واستدعاء النظر تارة أخرى.
والاستفهام مستعمل كناية عن التعجيب من حالهم لأنها لغرابتها تستلزم سؤال من