وضمير الغيبة الظاهر في (آتَوْهُ) عائد إلى اسم الجلالة ، والإتيان إلى الله الإحضار في مكان قضائه ويجوز أن يعود الضمير على (يَوْمَ يُنْفَخُ فِي الصُّورِ) على تقدير : آتون فيه والمضاف إليه (كل) المعوض عنه التنوين ، تقديره : من فزع ممن في السموات والأرض آتوه داخرين. وأما من استثنى الله بأنه شاء أن لا يفزعوا فهم لا يرهق وجوههم قتر ولا ذلة.
وقرأ الجمهور (آتَوْهُ) بصيغة اسم الفاعل من أتى. وقرأ حمزة وحفص (أَتَوْهُ) بصيغة فعل الماضي فهو كقوله (فَفَزِعَ).
(وَتَرَى الْجِبالَ تَحْسَبُها جامِدَةً وَهِيَ تَمُرُّ مَرَّ السَّحابِ صُنْعَ اللهِ الَّذِي أَتْقَنَ كُلَّ شَيْءٍ إِنَّهُ خَبِيرٌ بِما تَفْعَلُونَ (٨٨))
الذي قاله جمهور المفسرين : إن الآية حكت حادثا يحصل يوم ينفخ في الصور فجعلوا قوله (وَتَرَى الْجِبالَ تَحْسَبُها جامِدَةً) عطفا على (يُنْفَخُ فِي الصُّورِ) [النمل : ٨٧] أي ويوم ترى الجبال تحسبها جامدة إلخ .. وجعلوا الرؤية بصرية ، ومرّ السحاب تشبيها لتنقلها بمرّ السحاب في السرعة ، وجعلوا اختيار التشبيه بمرور السحاب مقصودا منه إدماج تشبيه حال الجبال حين ذلك المرور بحال السحاب في تخلخل الأجزاء وانتفاشها فيكون من معنى قوله (وَتَكُونُ الْجِبالُ كَالْعِهْنِ الْمَنْفُوشِ) [القارعة : ٥] ، وجعلوا الخطاب في قوله (تَرَى) لغير معين ليعم كل من يرى ، وجعلوا معنى هذه الآية في معنى قوله تعالى (وَيَوْمَ نُسَيِّرُ الْجِبالَ) [الكهف : ٤٧]. فلما أشكل أن هذه الأحوال تكون قبل يوم الحشر لأن الآيات التي ورد فيها ذكر دك الجبال ونسفها تشير إلى أن ذلك في انتهاء الدنيا عند القارعة وهي النفخة الأولى أو قبيلها ، فأجابوا بأنها تندك حينئذ ثم تسير يوم الحشر لقوله (فَقُلْ يَنْسِفُها رَبِّي نَسْفاً) إلى أن قال (يَوْمَئِذٍ يَتَّبِعُونَ الدَّاعِيَ لا عِوَجَ لَهُ) [طه : ١٠٥ ـ ١٠٨] لأن الداعي هو إسرافيل (وفيه أن للاتباع أحوالا كثيرة ، وللداعي معاني أيضا).
وقال بعض المفسرين : هذا مما يكون عند النفخة الأولى وكذلك جميع الآيات التي ذكر فيها نسف الجبال ودكها وبسها. وكأنهم لم يجعلوا عطف (وَتَرَى الْجِبالَ) على (يُنْفَخُ فِي الصُّورِ) [النمل : ٨٧] حتى يتسلط عليه عمل لفظ (يوم) بل يجعلوه من عطف الجملة على الجملة ، والواو لا تقتضي ترتيب المعطوف بها مع المعطوف عليه ، فهو عطف عبرة على عبرة وإن كانت المذكورة أولى حاصلة ثانيا.