قصد به التذييل ، أي ما هذا الصنع العجيب إلا مماثلا لأمثاله من الصنائع الإلهية الدقيقة الصنع. وهذا يقتضي أن تسيير الجبال نظام متقن ، وأنه من نوع التكوين والخلق واستدامة النظام وليس من نوع الخرم والتفكيك.
وجملة (إِنَّهُ خَبِيرٌ بِما تَفْعَلُونَ) تذييل أو اعتراض في آخر الكلام للتذكير والوعظ والتحذير ، عقب قوله (الَّذِي أَتْقَنَ كُلَّ شَيْءٍ) لأن إتقان الصنع أثر من آثار سعة العلم فالذي بعلمه أتقن كل شيء هو خبير بما يفعل الخلق فليحذروا أن يخالفوا عن أمره.
ثم جيء لتفصيل هذا بقوله (مَنْ جاءَ بِالْحَسَنَةِ) [النمل : ٨٩] الآية فكان من التخلص والعود إلى ما يحصل يوم ينفخ في الصور ، ومن جعلوا أمر الجبال من أحداث يوم الحشر جعلوا جملة (إِنَّهُ خَبِيرٌ بِما تَفْعَلُونَ) استئنافا بيانيا لجواب سائل : فما ذا يكون بعد النفخ والفزع والحضور بين يدي الله وتسيير الجبال ، فأجيب جوابا إجماليا بأن الله عليم بأفعال الناس ثم فصل بقوله (مَنْ جاءَ بِالْحَسَنَةِ فَلَهُ خَيْرٌ مِنْها ..) [النمل : ٨٩] الآية.
قرأ الجمهور (بِما تَفْعَلُونَ) بتاء الخطاب. وقرأ ابن كثير وأبو عمرو يفعلون بياء الغائبين عائدا ضميره على (مَنْ فِي السَّماواتِ وَمَنْ فِي الْأَرْضِ) [النمل : ٨٧].
[٨٩ ـ ٩٠] (مَنْ جاءَ بِالْحَسَنَةِ فَلَهُ خَيْرٌ مِنْها وَهُمْ مِنْ فَزَعٍ يَوْمَئِذٍ آمِنُونَ (٨٩) وَمَنْ جاءَ بِالسَّيِّئَةِ فَكُبَّتْ وُجُوهُهُمْ فِي النَّارِ هَلْ تُجْزَوْنَ إِلاَّ ما كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ (٩٠))
(مَنْ جاءَ بِالْحَسَنَةِ فَلَهُ خَيْرٌ مِنْها وَهُمْ مِنْ فَزَعٍ يَوْمَئِذٍ آمِنُونَ (٨٩) وَمَنْ جاءَ بِالسَّيِّئَةِ فَكُبَّتْ وُجُوهُهُمْ فِي النَّارِ).
هذه الجملة بيان ناشئ عن قوله (فَفَزِعَ مَنْ فِي السَّماواتِ وَمَنْ فِي الْأَرْضِ إِلَّا مَنْ شاءَ اللهُ) [النمل : ٨٧] لأن الفزع مقتض الحشر والحضور للحساب. و (من) في كلتا الجملتين شرطية.
والمجيء مستعمل في حقيقته. والباء في (بِالْحَسَنَةِ) و (بِالسَّيِّئَةِ) للمصاحبة المجازية ، ومعناها : أنه ذو الحسنة أو ذو السيئة. وليس هذا كقوله (مَنْ جاءَ بِالْحَسَنَةِ فَلَهُ عَشْرُ أَمْثالِها وَمَنْ جاءَ بِالسَّيِّئَةِ فَلا يُجْزى إِلَّا مِثْلَها) في آخر الأنعام [١٦٠]. فالمعنى هنا : من يجيء يومئذ وهو من فاعلي الحسنة ومن جاء وهو من أهل السيئة ، فالمجيء ناظر إلى قوله (وَكُلٌّ أَتَوْهُ داخِرِينَ) [النمل : ٨٧] والحسنة والسيئة هنا للجنس وهو يحمل على أكمل