من ساكن ودابة وشجر. فيدخل في ذلك منع غزو أهلها والاعتداء عليهم وظلمهم وإخافتهم ومنع صيدها وقطع شجرها على حدود معلومة. وهذا التحريم مما أوحى الله به إلى إبراهيم عليهالسلام إذ أمره بأن يبني بيتا لتوحيده وباستجابته لدعوة إبراهيم إذ قال (رَبِّ اجْعَلْ هذا بَلَداً آمِناً) [البقرة : ١٢٦].
فالتحريم يكون كمالا للمحرم ويكون نقصا على اختلاف اعتبار سبب التحريم وصفته ، فتحريم المكان والزمان مزية وتفضيل ، وتحريم الفواحش والميتة والدم والخمر تحقير لها ، والمحرمات للنسل والرضاع والصهر زيادة في الحرمة.
فتحريم المكان : منع ما يضرّ بالحال فيه. وتحريم الزمان ، كتحريم الأشهر الحرم : منع ما فيه ضر للموجودين فيه.
وتعقيب هذا بجملة (وَلَهُ كُلُّ شَيْءٍ) احتراس لئلا يتوهم من إضافة ربوبيته إلى البلدة اقتصار ملكه عليها ليعلم أن تلك الإضافة لتشريف المضاف إليه لا لتعريف المضاف بتعيين مظهر ملكه.
وتكرير (أمرت) في قوله (وَأُمِرْتُ أَنْ أَكُونَ مِنَ الْمُسْلِمِينَ) للإشارة إلى الاختلاف بين الأمرين فإن الأول أمر يعمله في خاصة نفسه وهو أمر إلهام إذ عصمه الله من عبادة الأصنام من قبل الرسالة. والأمر الثاني أمر يقتضي الرسالة وقد شمل دعوة الخلق إلى التوحيد. ولهذه النكتة لم يكرر (أمرت) في قوله (وَأَنْ أَتْلُوَا الْقُرْآنَ) لأن كلا من الإسلام والتلاوة من شئون الرسالة.
وفي قوله (أَنْ أَكُونَ مِنَ الْمُسْلِمِينَ) تنويه بهذه الأمة إذ جعل الله رسوله من آحادها ، وذلك نكتة عن العدول عن أن يقول : أن أكون مسلما.
والتلاوة : قراءة كلام معين على الناس ، وقد تقدم في قوله تعالى (الَّذِينَ آتَيْناهُمُ الْكِتابَ يَتْلُونَهُ حَقَّ تِلاوَتِهِ) [البقرة : ١٢١] ، وقوله (وَاتَّبَعُوا ما تَتْلُوا الشَّياطِينُ عَلى مُلْكِ سُلَيْمانَ) في سورة البقرة [١٠٢].
وحذف متعلق التلاوة لظهوره ، أي أن أتلو القرآن على الناس. وفرع على التلاوة ما يقتضي انقسام الناس إلى مهتد وضال ، أي منتفع بتلاوة القرآن عليه وغير منتفع مبينا أن من اهتدى فإنما كان اهتداؤه لفائدة نفسه. وهذا زيادة في تحريض السامعين على الاهتداء بهدي القرآن لأن فيه نفعه كما آذنت به اللام.