فإن قوله : من برق ، في قوة التمييز وإنما يكون التمييز فيه لما فيه من معنى التعجب.
والاستكبار : مبالغة في التكبر ، فالسين والتاء للمبالغة مثل استجاب.
و (فِي) للظرفية المجازية ؛ شبهت أنفسهم بالظروف في تمكن المظروف منها ، أي هو استكبار متمكن منهم كقوله تعالى : (وَفِي أَنْفُسِكُمْ أَفَلا تُبْصِرُونَ) [الذاريات : ٢١].
ويجوز أن تكون (فِي) للتعليل كما في الحديث «دخلت امرأة النار في هرّة حبستها» الحديث ، أي استكبروا لأجل عظمة أنفسهم في زعمهم. وليست الظرفية حقيقية لقلّة جدوى ذلك ؛ إذ من المعلوم أن الاستكبار لا يكون إلا في النفس لأنه من الأفعال النفسية.
والعتوّ : تجاوز الحد في الظلم ، وتقدم في قوله تعالى : (وَعَتَوْا عَنْ أَمْرِ رَبِّهِمْ) في الأعراف [٧٧]. وإنما كان هذا ظلما لأنهم تجاوزوا مقدار ما خولهم الله من القابلية.
وفي هذا إيماء إلى أن النبوءة لا تكون بالاكتساب وإنما هي إعداد من الله تعالى قال : (اللهُ أَعْلَمُ حَيْثُ يَجْعَلُ) رسالاته [الأنعام : ١٢٤].
(يَوْمَ يَرَوْنَ الْمَلائِكَةَ لا بُشْرى يَوْمَئِذٍ لِلْمُجْرِمِينَ وَيَقُولُونَ حِجْراً مَحْجُوراً (٢٢))
استئناف ثان جواب عن مقالتهم ، فبعد إبداء التعجيب منها عقّب بوعيد لهم ، فيه حصول بعض ما طلبوا حصوله الآن ، أي هم سيرون الملائكة ولكنها رؤية تسوؤهم حين يرون زبانية العذاب يسوقونهم إلى النار ، ففي هذا الاستئناف تلميح وتهكم بهم لأن ابتداءه مطمع بالاستجابة وآخره مؤيس بالوعيد ، فالكلام جرى على طريقة الغيبة لأنه حكاية عن تورّكهم ، والمقصود إبلاغه لهم حين يسمعونه. وانتصب (يَوْمَ يَرَوْنَ) على الظرفية ل (لا بُشْرى). وتقديم الظرف للاهتمام به لإثارة الطمع وللتشويق إلى تعيين إبانه حتى إذا ورد ما فيه خيبة طمعهم كان له وقع الكآبة على نفوسهم حينما يسمعونه. وإعادة (يَوْمَئِذٍ) تأكيد.
وذكر وصف المجرمين إظهار في مقام الإضمار للتسجيل عليهم بأنهم مجرمون بعد أن وصفوا بالكفر والظلم واليأس من لقاء الله. وانتفاء البشرى مستعمل في إثبات ضده وهو الحزن.
و (حجر) ـ بكسر الحاء وسكون الجيم ، ويقال بفتح الحاء وضمها على الندرة ـ فهي