و (مِنْ) في قوله : (مِنْ عَمَلٍ) بيانية لإبهام (ما) وتنكير (عَمَلٍ) للنوعية ، والمراد به عمل الخير ، أي إلى ما عملوه من جنس عمل الخير.
والهباء : كائنات جسمية دقيقة لا ترى إلا في أشعة الشمس المنحصرة في كوّة ونحوها ، تلوح كأنها سابحة في الهواء وهي أدق من الغبار ، أي فجعلناه كهباء منثور ، وهو تشبيه لأعمالهم ـ في عدم الانتفاع بها مع كونها موجودة ـ بالهباء في عدم إمساكه مع كونه موجودا ، وهذا تشبيه بليغ وهو هنا رشيق. ونظيره قوله تعالى : (وَبُسَّتِ الْجِبالُ بَسًّا* فَكانَتْ هَباءً مُنْبَثًّا) [الواقعة : ٥ ، ٦].
والمنثور : غير المنتظم ، وهو وصف كاشف لأن الهباء لا يكون إلّا منثورا ، فذكر هذا الوصف للإشارة إلى ما في الهباء من الحقارة ومن التفرق.
(أَصْحابُ الْجَنَّةِ يَوْمَئِذٍ خَيْرٌ مُسْتَقَرًّا وَأَحْسَنُ مَقِيلاً (٢٤))
استئناف ابتدائي جيء به لمقابلة حال المشركين في الآخرة بضدها من حال أصحاب الجنة وهم المؤمنون ، لأنه لما وصف حال المشركين في الآخرة علم أن لا حظ لهم في الجنّة فتعينت الجنة لغير المشركين يومئذ وهم المؤمنون ، إذ أهل مكة في وقت نزول هذه الآية فريقان : مشركون ومؤمنون. فمعنى الكلام : المؤمنون يومئذ هم أصحاب الجنة وهم (خَيْرٌ مُسْتَقَرًّا وَأَحْسَنُ مَقِيلاً).
والخير هنا : تفضيل ، وهو تهكم بالمشركين ، وكذلك (أَحْسَنُ).
والمستقر : مكان الاستقرار.
والمقيل : المكان الذي يؤوى إليه في القيلولة والاستراحة في ذلك الوقت من عادة المترفين.
[٢٥ ، ٢٦] (وَيَوْمَ تَشَقَّقُ السَّماءُ بِالْغَمامِ وَنُزِّلَ الْمَلائِكَةُ تَنْزِيلاً (٢٥) الْمُلْكُ يَوْمَئِذٍ الْحَقُّ لِلرَّحْمنِ وَكانَ يَوْماً عَلَى الْكافِرِينَ عَسِيراً (٢٦))
عطف على جملة (يَوْمَ يَرَوْنَ الْمَلائِكَةَ) [الفرقان : ٢٢]. والمقصود تأييسهم من الانتفاع بأعمالهم وبآلهتهم وتأكيد وعيدهم. وأدمج في ذلك وصف بعض شئون ذلك اليوم ، وأنه يوم تنزيل الملائكة بمرأى من الناس.