وأكد (نُزِّلَ الْمَلائِكَةُ) بالمفعول المطلق لإفادة أنه نزول بالذات لا بمجرد الاتصال النوراني مثل الخواطر الملكية التي تشعشع في نفوس أهل الكمال.
وقرأ الجمهور (وَنُزِّلَ الْمَلائِكَةُ) بنون واحدة وتشديد الزاي وفتح اللام ورفع (الْمَلائِكَةُ) مبنيا للنائب. وقرأه ابن كثير (وَنُنَزِّلُ) بنونين أولاهما مضمومة والثانية ساكنة وبضم اللام ونصب (الْمَلائِكَةُ).
وقوله : (الْمُلْكُ يَوْمَئِذٍ) هو صدر الجملة المعطوفة فيتعلق به (يَوْمَ تَشَقَّقُ السَّماءُ بِالْغَمامِ) ، وإنما قدم عليه للوجه المذكور في تقديم قوله : (يَوْمَ يَرَوْنَ الْمَلائِكَةَ) [الفرقان: ٢٢] وكذلك القول في تكرير (يَوْمَئِذٍ).
و (الْحَقُ) : الخالص ، كقولك : هذا ذهب حقّا. وهو الملك الظاهر أنه لا يماثله ملك ، لأن حالة الملك في الدنيا متفاوتة. والملك الكامل إنما هو لله ، ولكن العقول قد لا تلتفت إلى ما في الملوك من نقص وعجز وتبهرهم بهرجة تصرفاتهم وعطاياهم فينسون الحقائق ، فأما في ذلك اليوم فالحقائق منكشفة وليس ثمة من يدّعي شيئا من التصرف ، وفي الحديث : «ثم يقول الله : أنا الملك أين ملوك الأرض».
ووصف اليوم بعسير باعتبار ما فيه من أمور عسيرة على المشركين.
وتقديم (عَلَى الْكافِرِينَ) للحصر. وهو قصر إضافي ، أي دون المؤمنين.
[٢٧ ـ ٢٩] (وَيَوْمَ يَعَضُّ الظَّالِمُ عَلى يَدَيْهِ يَقُولُ يا لَيْتَنِي اتَّخَذْتُ مَعَ الرَّسُولِ سَبِيلاً (٢٧) يا وَيْلَتى لَيْتَنِي لَمْ أَتَّخِذْ فُلاناً خَلِيلاً (٢٨) لَقَدْ أَضَلَّنِي عَنِ الذِّكْرِ بَعْدَ إِذْ جاءَنِي وَكانَ الشَّيْطانُ لِلْإِنْسانِ خَذُولاً (٢٩))
هذا هو ذلك اليوم أعيد الكلام عليه باعتبار حال آخر من أحوال المشركين فيه ، أو باعتبار حال بعض المشركين المقصود من الآية.
والتعريف في (الظَّالِمُ) يجوز أن يكون للاستغراق. والمراد بالظلم الشرك فيعم جميع المشركين الذين أشركوا بعد ظهور الدعوة المحمدية بقرينة قوله : (يَقُولُ يا لَيْتَنِي اتَّخَذْتُ مَعَ الرَّسُولِ سَبِيلاً) ، ويكون قوله : (لَيْتَنِي لَمْ أَتَّخِذْ فُلاناً خَلِيلاً) إعلاما بما لا تخلو عنه من صحبة بعضهم مع بعض وإغراء بعضهم بعضا على مناوأة الإسلام.
ويجوز أن يكون للعهد المخصوص. والمراد بالظلم الاعتداء الخاص المعهود من