أبي معيط فمعنى مجيء الذكر إياه أنه كان يجلس إلى النبي صلىاللهعليهوسلم ويأنس إليه حتى صرفه عن ذلك أبيّ بن خلف وحمله على عداوته وأذاته ، وإذا حمل الظالم على العموم فمجيء الذكر هو شيوع القرآن بينهم ، وإمكان استماعهم إياه. وإضلال خلّانهم إياهم صرف كل واحد خليله عن ذلك ، وتعاون بعضهم على بعض في ذلك.
وقيل : (الذِّكْرِ) : كلمة الشهادة ، بناء على تخصيص الظالم بعقبة بن أبي معيط كما تقدم ، وتأتي في ذلك الوجوه المتقدمة ، فإن كلمة الشهادة لما كانت سبب النجاة مثلت بسبيل الرسول الهادي ، ومثل الصرف عنها بالإضلال عن السبيل.
و (إِذْ) ظرف للزمن الماضي ، أي بعد وقت جاءني فيه الذكر ، والإتيان بالظرف هنا دون أن يقال : بعد ما جاءني ، أو بعد أن جاءني ، للإشارة إلى شدة التمكن من الذكر لأنه قد استقر في زمن وتحقق ، ومنه قوله تعالى : (وَما كانَ اللهُ لِيُضِلَّ قَوْماً بَعْدَ إِذْ هَداهُمْ) [التوبة : ١١٥] أي تمكن هديه منهم.
وجملة (وَكانَ الشَّيْطانُ لِلْإِنْسانِ خَذُولاً) تذييل من كلام الله تعالى لا من كلام الظالم تنبيها للناس على أن كل هذا الإضلال من عمل الشيطان فهو الذي يسوّل لخليل الظالم إضلال خليله لأن الشيطان خذول الإنسان ، أي مجبول على شدة خذله.
والخذل : ترك نصر المستنجد مع القدرة على نصره ، وقد تقدم عند قوله تعالى : (وَإِنْ يَخْذُلْكُمْ فَمَنْ ذَا الَّذِي يَنْصُرُكُمْ مِنْ بَعْدِهِ) في سورة آل عمران [١٦٠].
فإذا أعان على الهزيمة فهو أشد الخذل ، وهو المقصود من صيغة المبالغة في وصف الشيطان بخذل الإنسان لأن الشيطان يكيد الإنسان فيورطه في الضر فهو خذول.
(وَقالَ الرَّسُولُ يا رَبِّ إِنَّ قَوْمِي اتَّخَذُوا هذَا الْقُرْآنَ مَهْجُوراً (٣٠))
عطف على أقوال المشركين ومناسبته لقوله : (لَقَدْ أَضَلَّنِي عَنِ الذِّكْرِ) [الفرقان : ٢٩] أن الذكر هو القرآن فحكيت شكاية الرسول إلى ربّه قومه من نبذهم القرآن بتسويل زعمائهم وسادتهم الذين أضلوهم عن القرآن ، أي عن التأمل فيه بعد أن جاءهم وتمكنوا من النظر ، وهذا القول واقع في الدنيا والرسول هو محمد صلىاللهعليهوسلم. وهو خبر مستعمل في الشكاية.
والمقصود من حكاية قول الرسول إنذار قريش بأن الرسول توجه إلى ربّه في هذا الشأن فهو يستنصر به ويوشك أن ينصره ، وتأكيده ب (إِنَ) للاهتمام به ليكون التشكّي