أقوى. والتعبير عن قريش ب (قَوْمِي) لزيادة التذمر من فعلهم معه لأن شأن قوم الرجل أن يوافقوه.
وفعل الاتخاذ إذا قيّد بحالة يفيد شدة اعتناء المتّخذ بتلك الحالة بحيث ارتكب الفعل لأجلها وجعله لها قصدا. فهذا أشد مبالغة في هجرهم القرآن من أن يقال : إن قومي هجروا القرآن.
واسم الإشارة في (هذَا الْقُرْآنَ) لتعظيمه وأن مثله لا يتّخذ مهجورا بل هو جدير بالإقبال عليه والانتفاع به.
والمهجور : المتروك والمفارق. والمراد هنا ترك الاعتناء به وسماعه.
(وَكَذلِكَ جَعَلْنا لِكُلِّ نَبِيٍّ عَدُوًّا مِنَ الْمُجْرِمِينَ وَكَفى بِرَبِّكَ هادِياً وَنَصِيراً (٣١))
هذه تسلية للنبي صلىاللهعليهوسلم بأن ما لقيه من بعض قومه هو سنة من سنن الأمم مع أنبيائهم.
وفيه تنبيه للمشركين ليعرضوا أحوالهم على هذا الحكم التاريخي فيعلموا أن حالهم كحال من كذّبوا من قوم نوح وعاد وثمود.
والقول في قوله : (وَكَذلِكَ) تقدم في قوله تعالى : (وَكَذلِكَ جَعَلْناكُمْ أُمَّةً وَسَطاً) [البقرة : ١٤٣]. والعدوّ : اسم يقع على المفرد والجمع والمراد هنا الجمع.
ووصف أعداء الأنبياء بأنهم من المجرمين ، أي من جملة المجرمين ، فإن الإجرام أعمّ من عداوة الأنبياء وهو أعظمها. وإنما أريد هنا تحقيق انضواء أعداء الأنبياء في زمرة المجرمين ، لأن ذلك أبلغ في الوصف من أن يقال : عدوّا مجرمين كما تقدم عند قوله تعالى : (قالَ أَعُوذُ بِاللهِ أَنْ أَكُونَ مِنَ الْجاهِلِينَ) في سورة البقرة [٦٧].
وأعقب التسلية بالوعد بهداية كثير ممّن هم يومئذ معرضون عنه كما قال النبيصلىاللهعليهوسلم : «لعلّ الله أن يخرج من أصلابهم من يعبده» وبأنه ينصره على الذين يصرّون على عداوته لأن قوله : (وَكَفى بِرَبِّكَ هادِياً وَنَصِيراً) تعريض بأن يفوض الأمر إليه فإنه كاف في الهداية والنصر.
والباء في قوله : (بِرَبِّكَ) تأكيد لاتصال الفاعل بالفعل. وأصله : كفى ربّك في هذه الحالة.