سورة الحجر [٦٣] ، وقال الله تعالى : (أَتاها أَمْرُنا لَيْلاً أَوْ نَهاراً) [يونس : ٢٤] (أَتى أَمْرُ اللهِ فَلا تَسْتَعْجِلُوهُ) [النحل : ١] (فَأَتاهُمُ اللهُ مِنْ حَيْثُ لَمْ يَحْتَسِبُوا) [الحشر : ٢] ، بخلاف فعل المجيء إذا استعمل في مجازة فأكثر ما يستعمل في وصول الخير والوعد والنصر والشيء العظيم ، قال تعالى : (قَدْ جاءَكُمْ بُرْهانٌ مِنْ رَبِّكُمْ) [النساء : ١٧٤] (وَجاءَ رَبُّكَ وَالْمَلَكُ صَفًّا صَفًّا) [الفجر : ٢٢] (إِذا جاءَ نَصْرُ اللهِ) [النصر : ١] ، وفي حديث الإسراء : «... مرحبا به ونعم المجيء جاء» ، (وَقُلْ جاءَ الْحَقُّ وَزَهَقَ الْباطِلُ) [الإسراء : ٨١] ، وقد يكون متعلق الفعل ذا وجهين باختلاف الاعتبار فيطلق كلا الفعلين نحو (حَتَّى إِذا جاءَ أَمْرُنا وَفارَ التَّنُّورُ) [هود : ٤٠] ، فإن الأمر هنا منظور فيه إلى كونه تأييدا نافعا لنوح.
والتفسير : البيان والكشف عن المعنى ، وقد تقدم ما يتعلق به مفصّلا في المقدمة الأولى من مقدمات هذا الكتاب ، والمراد هنا كشف الحجة والدليل.
ومعنى كونه (أَحْسَنَ) ، أنه أحق في الاستدلال ، فالتفضيل للمبالغة إذ ليس في حجتهم حسن أو يراد بالحسن ما يبدو من بهرجة سفسطتهم وشبههم فيجيء الكشف عن الحق أحسن وقعا في نفوس السامعين من مغالطاتهم ، فيكون التفضيل بهذا الوجه على حقيقته ، فهذه نكتة من دقائق الاستعمال ودقائق التنزيل.
(الَّذِينَ يُحْشَرُونَ عَلى وُجُوهِهِمْ إِلى جَهَنَّمَ أُوْلئِكَ شَرٌّ مَكاناً وَأَضَلُّ سَبِيلاً (٣٤))
استئناف ابتدائي لتسلية الرسول صلىاللهعليهوسلم ، ولوعيد المشركين وذمهم.
والموصول واقع موقع الضمير كأنه قيل : هم يحشرون على وجوههم ، فيكون الضمير عائدا إلى الذين كفروا من قوله : (وَقالَ الَّذِينَ كَفَرُوا لَوْ لا نُزِّلَ عَلَيْهِ الْقُرْآنُ جُمْلَةً واحِدَةً) [الفرقان : ٣٢] إظهارا في مقام الإضمار لتحصيل فائدة أن أصحاب الضمير ثبت لهم مضمون الصلة ، وليبنى على الصلة موقع اسم الإشارة ، ومقتضى ظاهر النظم أن يقال : ولا يأتونك بمثل إلا جئناك بالحق وأحسن تفسيرا ، هم شرّ مكانا وأضل سبيلا ، ونحشرهم على وجوههم إلى جهنم ، كما قال في سورة الإسراء [٩٧] (وَنَحْشُرُهُمْ يَوْمَ الْقِيامَةِ عَلى وُجُوهِهِمْ) عقب قوله : (وَما مَنَعَ النَّاسَ أَنْ يُؤْمِنُوا إِذْ جاءَهُمُ الْهُدى إِلَّا أَنْ قالُوا أَبَعَثَ اللهُ بَشَراً رَسُولاً) [الإسراء : ٩٤] ويعلم من السياق بطريق التعريض أن الذين يحشرون على وجوههم هم الذين يأتون بالأمثال تكذيبا للنبي صلىاللهعليهوسلم. وإذ كان قصدهم مما يأتون به من