يتوسمون.
[٤١ ، ٤٢] (وَإِذا رَأَوْكَ إِنْ يَتَّخِذُونَكَ إِلاَّ هُزُواً أَهذَا الَّذِي بَعَثَ اللهُ رَسُولاً (٤١) إِنْ كادَ لَيُضِلُّنا عَنْ آلِهَتِنا لَوْ لا أَنْ صَبَرْنا عَلَيْها وَسَوْفَ يَعْلَمُونَ حِينَ يَرَوْنَ الْعَذابَ مَنْ أَضَلُّ سَبِيلاً (٤٢))
كان ما تقدمت حكايته من صنوف أذاهم الرسول عليه الصلاة والسلام أقوالا في مغيبه ، فعطف عليها في هذه الآية أذى خاص وهو الأذى حين يرونه. وهذا صنف من الأذى تبعثهم إليه مشاهدة الرسول في غير زيّ الكبراء والمترفين لا يجرّ المطارف ولا يركب النجائب ولا يمشي مرحا ولا ينظر خيلاء ويجالس الصالحين ويعرض عن المشركين ، ويرفق بالضعفاء ويواصل الفقراء ، وأولئك يستخفون بالخلق الحسن ، لما غلب على آرائهم من أفن ، لذلك لم يخل حاله عندهم من الاستهزاء به إذا رأوه بأن حاله ليست حال من يختاره الله لرسالته دونهم ، ولا هو أهل لقيادتهم وسياستهم. وهذا الكلام صدر من أبي جهل وأهل ناديه.
و (إِذا) ظرف زمان مضمّن معنى الشرط فلذلك يجعل متعلّقه جوابا له. فجملة (إِنْ يَتَّخِذُونَكَ إِلَّا هُزُواً) جواب (إِذا). والهزؤ بضمتين : مصدر هزأ به. وتقدم في قوله : [تعالى] (قالُوا أَتَتَّخِذُنا هُزُواً) في سورة البقرة [٦٧]. والوصف للمبالغة في استهزائهم به حتى كأنه نفس الهزؤ لأنهم محّضوه لذلك ، وإسناد (يَتَّخِذُونَكَ) إلى ضمير الجمع للدلالة على أن جماعاتهم يستهزءون به إذا رأوه وهم في مجالسهم ومنتدياتهم. وصيغة الحصر للتشنيع عليهم بأنهم انحصر اتخاذهم إياه في الاستهزاء به يلازمونه ويدأبون عليه ولا يخلطون معه شيئا من تذكر أقواله ودعوته ، فالاستثناء من عموم الأحوال المنفية ، أي لا يتخذونك في حالة إلا في حالة الاستهزاء.
وجملة (أَهذَا الَّذِي بَعَثَ اللهُ رَسُولاً) بيان لجملة (إِنْ يَتَّخِذُونَكَ إِلَّا هُزُواً) لأن الاستهزاء من قبيل القول فكان بيانه بما هو من أقوالهم ومجاذبتهم الأحاديث بينهم.
والاستفهام إنكار لأن يكون بعثه الله رسولا.
واسم الإشارة مستعمل في الاستصغار كما علمت في أول تفسير هذه الآية.
والمعنى : إنكار أن يكون المشار إليه رسولا لأن في الإشارة إليه ما يكفي للقطع