قال في «الكشاف» : «(لَوْ لا) في مثل هذا الكلام جار مجرى التقييد للحكم المطلق من حيث المعنى لا من حيث الصنعة» فهذا شأن الشروط الواقعة بعد كلام مقصود لذاته كقوله تعالى : (لا تَتَّخِذُوا عَدُوِّي وَعَدُوَّكُمْ أَوْلِياءَ) إلى قوله : (إِنْ كُنْتُمْ خَرَجْتُمْ جِهاداً فِي سَبِيلِي) [الممتحنة : ١] فإن قوله : (إِنْ كُنْتُمْ) قيد في المعنى للنهي عن موالاة أعداء الله. وتأخير الشرط ليظهر أنه قيد للفعل الذي هو دليل الجواب. قال في «الكشاف» : (إِنْ كُنْتُمْ خَرَجْتُمْ) متعلق ب (لا تَتَّخِذُوا) يعني : لا تتولوا أعدائي إن كنتم أوليائي. وقول النحويين في مثله هو شرط جوابه محذوف لدلالة ما قبله عليه» اه. وكذلك ما قدم فيه على الشرط ما حقه أن يكون جوابا للشرط تقديما لقصد الاهتمام بالجواب كقوله تعالى : (قُلْ فَأْتُوا بِالتَّوْراةِ فَاتْلُوها إِنْ كُنْتُمْ صادِقِينَ) [آل عمران : ٩٣].
(وَسَوْفَ يَعْلَمُونَ حِينَ يَرَوْنَ الْعَذابَ مَنْ أَضَلُّ سَبِيلاً).
هذا جواب قولهم (إِنْ كادَ لَيُضِلُّنا عَنْ آلِهَتِنا لَوْ لا أَنْ صَبَرْنا عَلَيْها) المتضمن أنهم على هدى في دينهم ، وكان الجواب بقطع مجادلتهم وإحالتهم على حين رؤيتهم العذاب ينزل بهم ، فتضمن ذلك وعيدا بعذاب. والأظهر أن المراد عذاب السيف النازل بهم يوم بدر ، وممن رآه أبو جهل سيّد أهل الوادي ، وزعيم القالة في ذلك النادي.
ولما كان الجواب بالإعراض عن المحاجّة ارتكب فيه أسلوب التهكم بجعل ما ينكشف عنه المستقبل هو معرفة من هو أشد ضلالا من الفريقين على طريقة المجاراة وإرخاء العنان للمخطئ إلى أن يقف على خطئه وقد قال أبو جهل يوم بدر وهو مثخّن بالجراح في حالة النزع لما قال له عبد الله بن مسعود : أنت أبو جهل؟ فقال : «وهل أعمد من رجل قتله قومه».
و (مَنْ) الاستفهامية أوجبت تعليق فعل (يَعْلَمُونَ) عن العمل.
(أَرَأَيْتَ مَنِ اتَّخَذَ إِلهَهُ هَواهُ أَفَأَنْتَ تَكُونُ عَلَيْهِ وَكِيلاً (٤٣))
استئناف خوطب به الرسول صلىاللهعليهوسلم فيما يخطر بنفسه من الحزن على تكرر إعراضهم عن دعوته إذ كان حريصا على هداهم والإلحاح في دعوتهم ، فأعلمه بأن مثلهم لا يرجى اهتداؤه لأنهم جعلوا هواهم إلههم ، فالخطاب للرسول صلىاللهعليهوسلم.
وفعل (اتَّخَذَ) يتعدى إلى مفعولين وهو من أفعال التصيير الملحقة بأفعال الظن في