تُسْمِعُ الصُّمَّ الدُّعاءَ إِذا وَلَّوْا مُدْبِرِينَ) [النمل : ٨٠].
وعطف (أَوْ يَعْقِلُونَ) على (يَسْمَعُونَ) لنفي أن يكونوا يعقلون الدلائل غير المقالية وهي دلائل الكائنات قال تعالى : (قُلِ انْظُرُوا ما ذا فِي السَّماواتِ وَالْأَرْضِ وَما تُغْنِي الْآياتُ وَالنُّذُرُ عَنْ قَوْمٍ لا يُؤْمِنُونَ) [يونس : ١٠١].
وإنما نفي فهم الأدلة السمعية والعقلية عن أكثرهم دون جميعهم ، لأن هذا حال دهمائهم ومقلّديهم ، وفيهم معشر عقلاء يفهمون ويستدلون بالكائنات ولكنهم غلب عليهم حبّ الرئاسة وأنفوا من أن يعودوا أتباعا للنبي صلىاللهعليهوسلم ومساوين للمؤمنين من ضعفاء قريش وعبيدهم مثل عمار ، وبلال.
وجملة (إِنْ هُمْ إِلَّا كَالْأَنْعامِ) مستأنفة استئنافا بيانيا لأن ما تقدم من إنكار أنهم يسمعون يثير في نفس السامعين سؤالا عن نفي فهمهم لما يسمعون مع سلامة حواس السمع منهم ، فكان تشبيههم بالأنعام تبيينا للجمع بين حصول اختراق أصوات الدعوة آذانهم مع عدم انتفاعهم بها لعدم تهيئهم للاهتمام بها ، فالغرض من التشبيه التقريب والإمكان كقول أبي الطيب :
فإن تفق الأنام وأنت منهم |
|
فإن المسك بعض دم الغزال |
وضمائر الجمع عائدة إلى أكثرهم باعتبار معنى لفظه كما عاد عليه ضمير (يَسْمَعُونَ).
وانتقل في صفة حالهم إلى ما هو أشدّ من حال الأنعام بأنهم أضلّ سبيلا من الأنعام. وضلال السبيل عدم الاهتداء للمقصود لأن الأنعام تفقه بعض ما تسمعه من أصوات الزجر ونحوها من رعاتها وسائقيها وهؤلاء لا يفقهون شيئا من أصوات مرشدهم وسائسهم وهو الرسول عليه الصلاة والسلام. وهذا كقوله تعالى (فَهِيَ كَالْحِجارَةِ أَوْ أَشَدُّ قَسْوَةً وَإِنَّ مِنَ الْحِجارَةِ لَما يَتَفَجَّرُ مِنْهُ الْأَنْهارُ) [البقرة : ٧٤] الآية.
[٤٥ ، ٤٦] (أَلَمْ تَرَ إِلى رَبِّكَ كَيْفَ مَدَّ الظِّلَّ وَلَوْ شاءَ لَجَعَلَهُ ساكِناً ثُمَّ جَعَلْنَا الشَّمْسَ عَلَيْهِ دَلِيلاً (٤٥) ثُمَّ قَبَضْناهُ إِلَيْنا قَبْضاً يَسِيراً (٤٦))
استئناف ابتدائي فيه انتقال من إثبات صدق الرسول صلىاللهعليهوسلم ، وإثبات أن القرآن من عند الله أنزله على رسوله ، وصفات الرسل وما تخلل ذلك من الوعيد وهو من هذا الاعتبار