والتوكل على الله ، والثناء على المؤمنين به ، ومدح خصالهم ومزايا أخلاقهم ، والإشارة إلى عذاب قريب يحل بالمكذبين.
(تَبارَكَ الَّذِي نَزَّلَ الْفُرْقانَ عَلى عَبْدِهِ لِيَكُونَ لِلْعالَمِينَ نَذِيراً (١))
افتتاح بديع لندرة أمثاله في كلام بلغاء العرب لأن غالب فواتحهم أن تكون بالأسماء مجردة أو مقترنة بحرف غير منفصل ، مثل قول طرفة :
لخولة أطلال ببرقة ثهمد
أو بأفعال المضارعة ونحوها كقول امرئ القيس :
قفا نبك البيت
أو بحروف التأكيد أو الاستفهام أو التنبيه مثل (إن) و (قد) والهمزة و (هل).
ومن قبيل هذا الافتتاح قول الحارث بن حلّزة :
آذنتنا ببينها أسماء
وقول النّابغة :
كتمتك ليلا بالجمومين ساهرا |
|
وهمّين همّا مستكنّا وظاهرا |
وبهذه الندرة يكون في طالع هذه السورة براعة المطلع لأن الندرة من العزة ، والعزّة من محاسن الألفاظ وضدها الابتذال.
وتبارك : تعاظم خيره وتوفر ، والمراد بخيره كمالاته وتنزهاته. وتقدم في قوله تعالى : (بارَكَ اللهُ رَبُّ الْعالَمِينَ) في سورة الأعراف [٥٤].
والبركة : الخير ، وتقدم عند قوله تعالى : (اهْبِطْ بِسَلامٍ مِنَّا وَبَرَكاتٍ عَلَيْكَ) في سورة هود [٤٨] وعند قوله : (تَحِيَّةً مِنْ عِنْدِ اللهِ مُبارَكَةً طَيِّبَةً) في سورة النور [٦١].
وظاهر قوله : (تَبارَكَ الَّذِي نَزَّلَ الْفُرْقانَ) أنه إخبار عن عظمة الله وتوفر كمالاته فيكون المقصود به التعليم والإيقاظ ، ويجوز مع ذلك أن يكون كناية عن إنشاء ثناء على الله تعالى أنشأ الله به ثناء على نفسه كقوله : (سُبْحانَ الَّذِي أَسْرى بِعَبْدِهِ) [الإسراء : ١] على طريقة الكلام العربي في إنشاء التعجب من صفات المتكلم في مقام الفخر والعظمة ، أو إظهار غرايب صدرت ، كقول امرئ القيس :
ويوم عقرت للعذارى مطيتي |
|
فيا عجبا من كورها المتحمّل |