وجوز فريق أن يكون ضمير (صَرَّفْناهُ) عائدا إلى غير مذكور معلوم في المقام مراد به القرآن ؛ قالوا لأنه المقصود في هذه السورة فإنها افتتحت بذكره ، وتكرر في قوله : (إِنَّ قَوْمِي اتَّخَذُوا هذَا الْقُرْآنَ مَهْجُوراً) [الفرقان : ٣٠]. وأصل هذا التأويل مروي عن عطاء ، ولقوله بعده (وَجاهِدْهُمْ بِهِ جِهاداً كَبِيراً) [الفرقان : ٥٢].
وقيل الضمير عائد إلى الكلام المذكور ، أي ولقد صرفنا هذا الكلام وكررناه على ألسنة الرسل ليذّكروا.
[٥١ ، ٥٢] (وَلَوْ شِئْنا لَبَعَثْنا فِي كُلِّ قَرْيَةٍ نَذِيراً (٥١) فَلا تُطِعِ الْكافِرِينَ وَجاهِدْهُمْ بِهِ جِهاداً كَبِيراً (٥٢))
جملة اعتراض بين ذكر دلائل تفرد الله بالخلق وذكر منّته على الخلق. ومناسبة موقع هذه الجملة وتفريعها بموقع الآية التي قبلها خفيّة. وقال ابن عطية في قوله (وَلَوْ شِئْنا لَبَعَثْنا فِي كُلِّ قَرْيَةٍ نَذِيراً) : اقتضاب يدل عليه ما ذكر. تقديره : ولكنّا أفردناك بالنذارة وحمّلناك (فَلا تُطِعِ الْكافِرِينَ) اه.
فإن كان عنى بقوله : اقتضاب ، معنى الاقتضاب الاصطلاحي بين علماء الأدب والبيان ، وهو عدم مراعاة المناسبة بين الكلام المنتقل منه والكلام المنتقل إليه ، كان عدولا عن التزام تطلب المناسبة بين هذه الآية والآية التي قبلها ، وليس الخلوّ عن المناسبة ببدع فقد قال صاحب «تلخيص المفتاح» «وقد ينقل منه (أي مما شبّب به الكلام) إلى ما لا يلائمه (أي لا يناسب المنتقل منه) ويسمى الاقتضاب وهو مذهب العرب ومن يليهم من المخضرمين» إلخ. وإذا كان ابن عطية عنى بالاقتضاب معنى القطع (أي الحذف من الكلام) أي إيجاز الحذف كما يشعر به قوله «يدل عليه ما ذكر تقديره إلخ» ، كأن لم يعرج على اتصال هذه الآية بالتي قبلها.
وفي «الكشاف» : «ولو شئنا لخففنا عنك أعباء نذارة جميع القرى ولبعثنا في كل قرية نبيئا ينذرها ، وإنما قصرنا الأمر عليك وعظّمناك على سائر الرسل (أي بعموم الدعوة) فقابل ذلك بالتصبر» اه. وقد قال الطّيبي : «ومدار السورة على كونه صلىاللهعليهوسلم مبعوثا إلى الناس كافة ولذلك افتتحت بما يثبت عموم رسالة محمد صلىاللهعليهوسلم إلى جميع الناس بقوله تعالى : (لِيَكُونَ لِلْعالَمِينَ نَذِيراً) [الفرقان : ١].
وليس في كلام «الكشاف» والطيبي إلّا بيان مناسبة الآية لمهمّ أغراض السورة دون