والمرج : الخلط. واستعير هنا لشدة المجاورة ، والقرينة قوله : (وَجَعَلَ بَيْنَهُما بَرْزَخاً وَحِجْراً مَحْجُوراً). والبحر : الماء المستبحر ، أي الكثير العظيم. والعذب : الحلو. والفرات : شديد الحلاوة. والملح بكسر الميم وصف به بمعنى المالح ، ولا يقال في الفصيح إلا ملح وأما مالح فقليل. وأريد هنا ملتقى ماء نهري الفرات والدجلة مع ماء بحر خليج العجم.
والبرزخ : الحائل بين شيئين. والمراد بالبرزخ تشبيه ما في تركيب الماء الملح مما يدفع تخلل الماء العذب فيه بحيث لا يختلط أحدهما بالآخر ويبقى كلاهما حافظا لطعمه عند المصبّ.
و (حِجْراً) مصدر منصوب على المفعولية به لأنه معطوف على مفعول جعل. وليس هنا مستعملا في التعوذ كالذي تقدم آنفا في قوله تعالى (وَيَقُولُونَ حِجْراً مَحْجُوراً) [الفرقان : ٢٢]. و (مَحْجُوراً) وصف ل (حِجْراً) مشتق من مادته للدلالة على تمكن المعنى المشتق منه كما قالوا : ليل أليل. وقد تقدم في هذه السورة. ووقع في «الكشاف» تكلف بجعل (حِجْراً مَحْجُوراً) هنا بمعنى التعوّذ كالذي في قوله (وَيَقُولُونَ حِجْراً مَحْجُوراً) [الفرقان : ٢٢] ولا داعي إلى ذلك لأن ما ذكروه من استعمال (حِجْراً مَحْجُوراً) في التعوذ لا يقتضي أنه لا يستعمل إلا كذلك.
(وَهُوَ الَّذِي خَلَقَ مِنَ الْماءِ بَشَراً فَجَعَلَهُ نَسَباً وَصِهْراً وَكانَ رَبُّكَ قَدِيراً (٥٤))
مناسبة موقع هذا الاستدلال بعد ما قبله أنه استدلال بدقيق آثار القدرة في تكوين المياه وجعلها سبب حياة مختلفة الأشكال والأوضاع. ومن أعظمها دقائق الماء الذي خلق منه أشرف الأنواع التي على الأرض وهو نطفة الإنسان بأنها سبب تكوين النسل للبشر فإنه يكون أول أمره ماء ثم يتخلّق منه البشر العظيم ، فالتنوين في قوله (بَشَراً) للتعظيم.
والقصر المستفاد من تعريف الجزءين قصر إفراد لإبطال دعوى شركة الأصنام لله في الإلهية.
والبشر : الإنسان. وقد تقدم في قوله تعالى : (فَتَمَثَّلَ لَها بَشَراً سَوِيًّا) في سورة مريم [١٧]. والضمير المنصوب في (فَجَعَلَهُ) عائد إلى البشر ، أي فجعل البشر الذي خلقه من الماء نسبا وصهرا ، أي قسّم الله البشر قسمين : نسب ، وصهر. فالواو للتقسيم بمعنى (أو) والواو أجود من (أو) في التقسيم.