وإنما يتعجب من إقدامه على أن جعل كور المطية يحمله هو بعد عقرها. ومنه قول الفند الزّمّاني :
أيا طعنة ما شيخ |
|
كبير يفن بالي |
يريد طعنة طعنها قرنه.
والذي نزل الفرقان هو الله تعالى. وإذ قد كانت الصلة من خصائص الله تعالى كان الفعل كالمسند إلى ضمير المتكلم فكأنه قيل : تباركت.
والموصول يومئ إلى علة ما قبله فهو كناية عن تعظيم شأن الفرقان وبركته على الناس من قوله : (لِيَكُونَ لِلْعالَمِينَ نَذِيراً). فتلك منة عظيمة توجب الثناء على الله. وهو أيضا كناية عن تعظيم شأن الرسول عليه الصلاة السلام.
والتعريف بالموصول هنا لكون الصلة من صفات الله في نفس الأمر وعند المؤمنين وإن كان الكفار ينكرونها لكنهم يعرفون أن الرسول أعلنها فالله معروف بذلك عندهم معرفة بالوجه لا بالكنه الذي ينكرونه.
والفرقان : القرآن وهو في الأصل مصدر فرق ، كما في قوله : (وَما أَنْزَلْنا عَلى عَبْدِنا يَوْمَ الْفُرْقانِ) [الأنفال : ٤١] وقوله : (يَجْعَلْ لَكُمْ فُرْقاناً) [الأنفال : ٢٩]. وجعل علما بالغلبة على القرآن لأنه فرّق بين الحق والباطل لما بيّن من دلائل الحق ودحض الباطل. وقد تقدم في قوله تعالى : (وَأَنْزَلَ الْفُرْقانَ) في سورة آل عمران [٤].
وإيثار اسم الفرقان بالذكر هنا للإيماء إلى أن ما سيذكر من الدلائل على الوحدانيّة وإنزال القرآن دلائل قيمة تفرّق بين الحق والباطل.
ووصف النبي ب (عَبْدِهِ) تقريب له وتمهيد لإبطال طلبهم منه في قوله : (وَقالُوا ما لِهذَا الرَّسُولِ يَأْكُلُ الطَّعامَ) [الفرقان : ٧] الآية.
والمراد ب (لِلْعالَمِينَ) جميع الأمم من البشر لأن العالم يطلق على الجنس وعلى النوع وعلى الصنف بحسب ما يسمح به المقام ، والنذارة لا تكون إلا للعقلاء ممن قصدوا بالتكليف. وقد مضى الكلام على لفظ (الْعالَمِينَ) في سورة الفاتحة [٢].
والنذير : المخبر بسوء يقع ، وهو فعيل بمعنى مفعل بصيغة اسم الفاعل مثل الحكيم.
والاقتصار في وصف الرسول هنا على النذير دون البشير كما في قوله : (وَما أَرْسَلْناكَ إِلَّا