كقوله تعالى : (فَمَنْ شاءَ اتَّخَذَ إِلى رَبِّهِ مَآباً) [النبأ : ٣٩].
وذكر وصف الرب دون الاسم العلم للإشارة إلى استحقاقه السير إليه لأن العبد محقوق بأن يرجع إلى ربه وإلّا كان آبقا.
(وَتَوَكَّلْ عَلَى الْحَيِّ الَّذِي لا يَمُوتُ وَسَبِّحْ بِحَمْدِهِ وَكَفى بِهِ بِذُنُوبِ عِبادِهِ خَبِيراً (٥٨))
عطف على جملة (قُلْ ما أَسْئَلُكُمْ عَلَيْهِ مِنْ أَجْرٍ) [الفرقان : ٥٧] أي قل لهم ذلك وتوكل على الله في دعوتك إلى الدين فهو الذي يجازيك على ذلك ويجازيهم.
والتوكل : الاعتماد وإسلام الأمور إلى المتوكل عليه وهو الوكيل ، أي المتولّي مهمّات غيره ، وقد تقدم في قوله تعالى : (فَإِذا عَزَمْتَ فَتَوَكَّلْ عَلَى اللهِ) في آل عمران [١٥٩].
و (الْحَيِّ الَّذِي لا يَمُوتُ) هو الله تعالى. وعدل عن اسم الجلالة إلى هذين الوصفين لما يؤذن به من تعليل الأمر بالتوكل عليه لأنه الدائم فيفيد ذلك معنى حصر التوكل في الكون عليه ، فالتعريف في (الْحَيِ) للكامل ، أي الكامل حياته لأنها واجبة باقية مستمرة وحياة غيره معرضة للزوال بالموت ومعرضة لاختلال أثرها بالذهول كالنوم ونحوه فإنه من جنس الموت ، فالتوكل على غيره معرض للاختلال وللانخرام. وفي ذكر الوصفين تعريض بالمشركين إذ ناطوا آمالهم بالأصنام وهي أموات غير أحياء.
وفي الآية إشارة إلى أن المرء الكامل لا يثق إلا بالله لأن التوكل على الأحياء المعرضين للموت وإن كان قد يفيد أحيانا لكنه لا يدوم.
وأما أمره بالتسبيح فهو تنزيه الله عما لا يليق به وأول ذلك الشركة في الإلهية ، أي إذا أهمّك أمر إعراض المشركين عن دعوة الإسلام فعليك نفسك فنزه الله.
والباء في (بِحَمْدِهِ) للمصاحبة ، أي سبحه تسبيحا مصاحبا للثناء عليه بما هو أهله.
فقد جمع له في هذا الأمر التخلية والتحلية مقدّما التخلية لأن شأن الإصلاح أن يبدأ بإزالة النقص.
وأمر النبي صلىاللهعليهوسلم يشمل الأمة ما لم يكن دليل على الخصوصية.
وجملة (وَكَفى بِهِ بِذُنُوبِ عِبادِهِ خَبِيراً) اعتراض في آخر الكلام ، فيفيد معنى التذييل