لما فيه من الدلالة على عموم علمه تعالى بذنوب الخلق ، ومن ذلك أحوال المشركين الذين هم غرض الكلام. ففي (ذنوب عباده) عمومان : عموم ذنوبهم كلّها لإفادة الجمع المضاف عموم إفراد المضاف ، وعموم الناس لإضافة (عباد) إلى ضمير الجلالة ، أي جميع عباده ، مع ما في صيغة (خبير) من شدة العلم وهو يستلزم العموم فكان كعموم ثالث. والكفاية : الإجزاء ، وفي فعل (كَفى) إفادة أنه لا يحتاج إلى غيره وهو مستعمل في الأمر بالاكتفاء بتفويض الأمر إليه.
والباء لتأكيد إسناد الفعل إلى الفاعل. وقد كثر دخول باء التأكيد بعد فعل الكفاية على فاعله أو مفعوله ، وتقدم في قوله تعالى : (كَفى بِنَفْسِكَ الْيَوْمَ عَلَيْكَ حَسِيباً) في سورة الإسراء [١٤]. و (خَبِيراً) حال من ضمير (بِهِ) أي كفى به من حيث الخبرة.
والعلم بالذنوب كناية عن لازمه وهو أنه يجازيهم على ذنوبهم ، والشرك جامع الذنوب. وفي الكلام أيضا تعريض بتسلية الرسول صلىاللهعليهوسلم على ما يلاقيه من أذاهم.
(الَّذِي خَلَقَ السَّماواتِ وَالْأَرْضَ وَما بَيْنَهُما فِي سِتَّةِ أَيَّامٍ ثُمَّ اسْتَوى عَلَى الْعَرْشِ الرَّحْمنُ فَسْئَلْ بِهِ خَبِيراً (٥٩))
أجريت هذه الصلة وصفا ثانيا ل (الْحَيِّ الَّذِي لا يَمُوتُ) [الفرقان : ٥٨] لاقتضائها سعة العلم وسعة القدرة وعظيم المجد ، فصاحبها حقيق بأن يتوكل عليه ويفوض أمر الجزاء إليه. وهذا تخلّص إلى العود إلى الاستدلال على تصرف الله تعالى بالخلق.
وتقدم الكلام على خلق السماوات والأرض في ستة أيّام في سورة البقرة ، وعلى الاستواء في سورة الأعراف.
و (الرَّحْمنُ) خبر مبتدأ محذوف ، أي هو الرحمن. وهذا من حذف المسند إليه الغالب في الاستعمال عند ما تتقدم أخبار أو أوصاف لصاحبها ، ثم يراد الإخبار عنه بما هو إفصاح عن وصف جامع لما مضى أو أهم في الغرض مما تقدمه ، فإن وصف الرحمن أهم في الغرض المسوق له الكلام وهو الأمر بالتوكل عليه فإنه وصف يقتضي أنه يدبر أمور من توكل عليه بقوي الإسعاف.
وفرع على وصفه ب (الرَّحْمنُ) قوله (فَسْئَلْ بِهِ خَبِيراً) للدلالة على أن في رحمته من العظمة والشمول ما لا تفي فيه العبارة فيعدل عن زيادة التوصيف إلى الحوالة على