اللَّيْلَ وَالنَّهارَ خِلْفَةً ...) [الفرقان : ٦٢].
وقرأ حمزة والكسائي سرجا بضم السين والراء جمع سراج فيشمل مع الشمس النجوم ، فيكون امتنانا بحسن منظرها للناس كقوله (وَلَقَدْ زَيَّنَّا السَّماءَ الدُّنْيا بِمَصابِيحَ) [الملك : ٥]. والامتنان بمحاسن المخلوقات وارد في القرآن قال تعالى : (وَلَكُمْ فِيها جَمالٌ حِينَ تُرِيحُونَ وَحِينَ تَسْرَحُونَ) [النحل : ٦].
والكلام جار على التشبيه البليغ لأن حقيقة السراج : المصباح الزاهر الضياء. والمقصود : أنه جعل الشمس مزيلة للظلمة كالسراج ، أو خلق النجوم كالسراج في التلألؤ وحسن المنظر.
ودلالة خلق البروج وخلق الشمس والقمر على عظيم القدرة دلالة بينة للعاقل ، وكذلك دلالته على دقيق الصنع ونظامه بحيث لا يختل ولا يختلف حتى تسنى للناس رصد أحوالها وإناطة حسابهم بها.
(وَهُوَ الَّذِي جَعَلَ اللَّيْلَ وَالنَّهارَ خِلْفَةً لِمَنْ أَرادَ أَنْ يَذَّكَّرَ أَوْ أَرادَ شُكُوراً (٦٢))
الاستدلال هذا بما في الليل والنّهار من اختلاف الحال بين ظلمة ونور ، وبرد وحر ، مما يكون بعضه أليق ببعض الناس من بعض ببعض آخر ، وهذا مخالف للاستدلال الذي في قوله (وَهُوَ الَّذِي جَعَلَ لَكُمُ اللَّيْلَ لِباساً وَالنَّوْمَ سُباتاً وَجَعَلَ النَّهارَ نُشُوراً) [الفرقان : ٤٧] ، فهذه دلالة أخرى ونعمة أخرى والحكم في المخلوقات كثيرة.
والقصر هنا قصر حقيقي وليس إضافيا فلذلك لا يراد به الرد على المشركين بخلاف صيغ القصر السابقة من قوله (وَهُوَ الَّذِي جَعَلَ لَكُمُ اللَّيْلَ لِباساً) إلى قوله (وَكانَ رَبُّكَ قَدِيراً) [الفرقان : ٤٧ ـ ٥٤].
والخلفة بكسر الخاء وسكون اللام : اسم لما يخلف غيره في بعض ما يصلح له. صيغ هذا الاسم على زنة فعلة لأنه في الأصل ذو خلفة ، أي صاحب حالة خلف فيها غيره ثم شاع استعماله فصار اسما ، قال زهير :
بها العين والآرام يمشين خلفة |
|
وأطلاؤها ينهضن من كل مجثم |
أي يمشي سرب ويخلفه سرب آخر ثم يتعاقب هكذا. فالمعنى : جعل الليل خلفة