واعلم أن هذه الصلات التي أجريت على (عِبادُ الرَّحْمنِ) جاءت على أربعة أقسام: قسم هو من التحلّي بالكمالات الدينية وهي التي ابتدئ بها من قوله تعالى (الَّذِينَ يَمْشُونَ عَلَى الْأَرْضِ هَوْناً) إلى قوله (سَلاماً) [الفرقان : ٧٥].
وقسم هو من التخلّي عن ضلالات أهل الشرك وهو الذي من قوله : (وَالَّذِينَ لا يَدْعُونَ مَعَ اللهِ إِلهاً آخَرَ) [الفرقان : ٦٨].
وقسم هو من الاستقامة على شرائع الإسلام وهو قوله : (وَالَّذِينَ يَبِيتُونَ لِرَبِّهِمْ سُجَّداً وَقِياماً) [الفرقان : ٦٤] ، وقوله (وَالَّذِينَ إِذا أَنْفَقُوا لَمْ يُسْرِفُوا) [الفرقان : ٦٧] الآية ، وقوله : (وَلا يَقْتُلُونَ النَّفْسَ) إلى قوله (لا يَشْهَدُونَ الزُّورَ) [الفرقان : ٦٨ ـ ٧٢] إلخ.
وقسم من تطلب الزيادة من صلاح الحال في هذه الحياة وهو قوله : (وَالَّذِينَ يَقُولُونَ رَبَّنا هَبْ لَنا مِنْ أَزْواجِنا) إلى قوله : (لِلْمُتَّقِينَ إِماماً) [الفرقان : ٧٤].
وظاهر قوله (يَمْشُونَ عَلَى الْأَرْضِ هَوْناً) أنه مدح لمشية بالأرجل وهو الذي حمل عليه جمهور المفسرين.
وجوز الزجاج أن يكون قوله (يَمْشُونَ) عبارة عن تصرفاتهم في معاشرة الناس فعبّر عن ذلك بالانتقال في الأرض وتبعه ابن عطية وهذا الذي ذكره مأخوذ مما روي عن زيد ابن أسلم كما سيأتي. فعلى الوجه الأول يكون تقييد المشي بأنه على الأرض ليكون في وصفه بالهون ما يقتضي أنهم يمشون كذلك اختيارا وليس ذلك عند المشي في الصعدات أو على الجنادل.
والهون : اللين والرفق. ووقع هنا صفة لمصدر المشي محذوف تقديره (مشيا) فهو منصوب على النيابة عن المفعول المطلق.
والمشي الهون : هو الذي ليس فيه ضرب بالأقدام وخفق النعال فهو مخالف لمشي المتجبرين المعجبين بنفوسهم وقوتهم. وهذا الهون ناشئ عن التواضع لله تعالى والتخلّق بآداب النفس العالية وزوال بطر أهل الجاهلية فكانت هذه المشية من خلال الذين آمنوا على الضد من مشي أهل الجاهلية. وعن عمر بن الخطاب أنه رأى غلاما يتبختر في مشيته فقال له «إن البخترة مشية تكره إلا في سبيل الله». وقد مدح الله تعالى أقواما بقوله سبحانه (وَعِبادُ الرَّحْمنِ الَّذِينَ يَمْشُونَ عَلَى الْأَرْضِ هَوْناً) فاقصد في مشيتك ، وحكى الله تعالى عن لقمان قوله لابنه (وَلا تَمْشِ فِي الْأَرْضِ مَرَحاً) [الإسراء : ٣٧].