طالب ، فكنت أجيء معه إلى قنطرة فيذهب فيتقدمني في عبورها فكنت أقول : إنما تدّعي هذا الأمر بامرأة ونحن أحق به منك ، فما رأيت له في الجواب بلاغة كما يذكر عنه ، قال المأمون : وبما ذا جاوبك؟ قال : فكان يقول لي : سلاما. قال الراوي : فكأنّ إبراهيم بن المهدي لا يحفظ الآية أو ذهبت عنه في ذلك الوقت ، فنبه المأمون على الآية من حضره وقال : هو والله يا عمّ عليّ بن أبي طالب وقد جاوبك بأبلغ جواب ، فخزي إبراهيم واستحيا. ولأجل المناسبة بين الصيغتين عطفت هذه على الصلة الأولى. ولم يكرر اسم الموصول كما كرر في الصفات بعدها.
(وَالَّذِينَ يَبِيتُونَ لِرَبِّهِمْ سُجَّداً وَقِياماً (٦٤))
عطف صفة أخرى على صفتيهم السابقتين على حدّ قول الشاعر :
إلى الملك القرم وابن الهمام |
|
وليث الكتيبة في المزدحم |
وإعادة الموصول لتأكيد أنهم يعرفون بهذه الصلة ، والظاهر أن هذه الموصولات وصلاتها كلها أخبار أو أوصاف لعباد الرحمن. روي عن الحسن البصري أنه كان إذا قرأ (الَّذِينَ يَمْشُونَ عَلَى الْأَرْضِ هَوْناً) [الفرقان : ٦٣] قال : هذا وصف نهارهم ، ثم إذا قرأ (وَالَّذِينَ يَبِيتُونَ لِرَبِّهِمْ سُجَّداً وَقِياماً) قال : هذا وصف ليلهم.
والقيام : جمع قائم كالصحاب ، والسجود والقيام ركنا الصلاة ، فالمعنى : يبيتون يصلّون ، فوقع إطناب في التعبير عن الصلاة بركنيها تنويها بكليهما. وتقديم (سُجَّداً) على (قِياماً) للرعي على الفاصلة مع الإشارة إلى الاهتمام بالسجود وهو ما بيّنه النبيصلىاللهعليهوسلم بقوله : «أقرب ما يكون العبد من ربه وهو ساجد». وكان أصحاب رسول اللهصلىاللهعليهوسلم كثيري التهجد كما أثنى الله عليهم بذلك بقوله (تَتَجافى جُنُوبُهُمْ عَنِ الْمَضاجِعِ) [السجدة : ١٦].
[٦٥ ، ٦٦] (وَالَّذِينَ يَقُولُونَ رَبَّنَا اصْرِفْ عَنَّا عَذابَ جَهَنَّمَ إِنَّ عَذابَها كانَ غَراماً (٦٥) إِنَّها ساءَتْ مُسْتَقَرًّا وَمُقاماً (٦٦))
دعاؤهم هذا أمارة على شدة مخافتهم الذنوب فهم يسعون في مرضاة ربّهم لينجوا من العذاب ، فالمراد بصرف العذاب : إنجاؤهم منه بتيسير العمل الصالح وتوفيره واجتناب السيئات.
وجملة (إِنَّ عَذابَها كانَ غَراماً) يجوز أن تكون حكاية من كلام القائلين. ويجوز أن