وقوله : (وَإِذا مَرُّوا بِاللَّغْوِ مَرُّوا كِراماً) مناسب لكلا الجملتين.
واللغو : الكلام العبث والسفه الذي لا خير فيه. وتقدم في قوله تعالى : (لا يَسْمَعُونَ فِيها لَغْواً) في سورة مريم [٦٢]. ومعنى المرور به المرور بأصحابه اللاغين في حال لغوهم ، فجعل المرور بنفس اللغو للإشارة إلى أن أصحاب اللغو متلبسون به وقت المرور.
ومعنى : (مَرُّوا كِراماً) أنهم يمرون وهم في حال كرامة ، أي غير متلبسين بالمشاركة في اللغو فيه فإن السفهاء إذا مروا بأصحاب اللغو أنسوا بهم ووقفوا عليهم وشاركوهم في لغوهم فإذا فعلوا ذلك كانوا في غير حال كرامة.
والكرامة : النزاهة ومحاسن الخلال ، وضدها اللؤم والسفالة. وأصل الكرامة أنها نفاسة الشيء في نوعه قال تعالى : (أَنْبَتْنا فِيها مِنْ كُلِّ زَوْجٍ كَرِيمٍ) [الشعراء : ٧]. وقال بعض شعراء حمير في «الحماسة» :
ولا يخيم اللقاء فارسهم |
|
حتى يشقّ الصفوف من كرمه |
أي شجاعته ، وقال تعالى : (وَأَعَدَّ لَهُمْ أَجْراً كَرِيماً) [الأحزاب : ٤٤].
وإذا مر أهل المروءة على أصحاب اللغو تنزهوا عن مشاركتهم وتجاوزوا ناديهم فكانوا في حال كرامة ، وهذا ثناء على المؤمنين بترفّعهم على ما كانوا عليه في الجاهلية كقوله تعالى : (وَذَرِ الَّذِينَ اتَّخَذُوا دِينَهُمْ لَعِباً وَلَهْواً) [الأنعام : ٧٠] ، وقوله : (وَإِذا سَمِعُوا اللَّغْوَ أَعْرَضُوا عَنْهُ وَقالُوا لَنا أَعْمالُنا وَلَكُمْ أَعْمالُكُمْ سَلامٌ عَلَيْكُمْ لا نَبْتَغِي الْجاهِلِينَ) [القصص : ٥٥].
وإعادة فعل (مَرُّوا) لبناء الحال عليه ، وذلك من محاسن الاستعمال ، كقول الأحوص :
فإذا تزول تزول عن متخمّط |
|
تخشى بوادره على الأقران |
ومنه قوله تعالى : (رَبَّنا هؤُلاءِ الَّذِينَ أَغْوَيْنا أَغْوَيْناهُمْ كَما غَوَيْنا) [القصص : ٦٣] كما ذكره ابن جنّي في «شرح مشكل أبيات الحماسة» ، وقد تقدم عند قوله تعالى : (صِراطَ الَّذِينَ أَنْعَمْتَ عَلَيْهِمْ) [الفاتحة : ٧].
(وَالَّذِينَ إِذا ذُكِّرُوا بِآياتِ رَبِّهِمْ لَمْ يَخِرُّوا عَلَيْها صُمًّا وَعُمْياناً (٧٣))