وعطف على العلتين رجاء شكرهم على هاتين النعمتين اللتين هما من جملة رحمته بالناس فالشأن أن يتذكروا بذلك مظاهر الرحمة الربانية وجلائل النعم فيشكروه بإفراده بالعبادة. وهذا تعريض بأنهم كفروا فلم يشكروا.
وقرأ الجمهور (أَرَأَيْتُمْ) [القصص : ٧١] بألف بعد الراء تخفيفا لهمزة رأى. وقرأ الكسائي بحذف الهمزة زيادة في التخفيف وهي لغة.
[٧٤ ـ ٧٥] (وَيَوْمَ يُنادِيهِمْ فَيَقُولُ أَيْنَ شُرَكائِيَ الَّذِينَ كُنْتُمْ تَزْعُمُونَ (٧٤) وَنَزَعْنا مِنْ كُلِّ أُمَّةٍ شَهِيداً فَقُلْنا هاتُوا بُرْهانَكُمْ فَعَلِمُوا أَنَّ الْحَقَّ لِلَّهِ وَضَلَّ عَنْهُمْ ما كانُوا يَفْتَرُونَ (٧٥))
كررت جملة (يَوْمَ يُنادِيهِمْ) مرة ثانية لأن التكرير من مقتضيات مقام التوبيخ فلذلك لم يقل : ويوم ننزع من كل أمة شهيدا ، فأعيد ذكر أن الله يناديهم بهذا الاستفهام التقريعي وينزع من كل أمة شهيدا ، فظاهر الآية أن ذلك النداء يكرر يوم القيامة. ويحتمل أنه إنما كررت حكايته وأنه نداء واحد يقع عقبه جواب الذين حق عليهم القول من مشركي العرب ويقع نزع شهيد من كل أمة عليهم فهو شامل لمشركي العرب وغيرهم من الأمم. وجيء بفعل المضي في (نَزَعْنا) : إما للدلالة على تحقيق وقوعه حتى كأنه قد وقع ، وإما لأن الواو للحال وهي يعقبها الماضي ب (قد) وبدون (قد) أي يوم يكون ذلك النداء وقد أخرجنا من كل أمة شهيدا عليهم وأخرجنا من هؤلاء شهيدا وهو محمد صلىاللهعليهوسلم كما قال تعالى (وَيَوْمَ نَبْعَثُ فِي كُلِّ أُمَّةٍ شَهِيداً عَلَيْهِمْ مِنْ أَنْفُسِهِمْ وَجِئْنا بِكَ شَهِيداً) (عَلى هؤُلاءِ) [النحل : ٨٩]. وشهيد كل أمة رسولها.
والنزع : جذب شيء من بين ما هو مختلط به واستعير هنا لإخراج بعض من جماعة كما في قوله تعالى (ثُمَّ لَنَنْزِعَنَّ مِنْ كُلِّ شِيعَةٍ أَيُّهُمْ أَشَدُّ عَلَى الرَّحْمنِ عِتِيًّا) في سورة مريم [٦٩]. وذلك أن الأمم تأتي إلى المحشر تتبع أنبياءها ، وهذا المجيء الأول ، ثم تأتي الأنبياء مع كل واحد منهم من آمنوا به كما ورد في الحديث «يأتي النبي معه الرهط والنبي وحده ما معه أحد».
والتفت من الغيبة إلى التكلم في (وَنَزَعْنا) لإظهار عظمة التكلم ، وعطف (فَقُلْنا) على (وَنَزَعْنا) لأنه المقصود. والمخاطب ب (هاتُوا) هم المشركون ، أي هاتوا برهانكم على إلهية أصنامكم.