وأما قول أبي عبيدة بأن تركيب الآية فيه قلب ، فلا يقبله من كان له قلب.
والعصبة : الجماعة ، وتقدم في سورة يوسف. وأقرب الأقوال في مقدارها قول مجاهد أنه من عشرة إلى خمسة عشر. وكان اكتسب الأموال في مصر وخرج بها.
(إِذْ قالَ لَهُ قَوْمُهُ لا تَفْرَحْ إِنَّ اللهَ لا يُحِبُّ الْفَرِحِينَ وَابْتَغِ فِيما آتاكَ اللهُ الدَّارَ الْآخِرَةَ).
(إِذْ) ظرف منصوب بفعل (بغى عليهم) والمقصود من هذا الظرف القصة وليس القصد به توقيت البغي ولذلك قدره بعض المفسرين متعلقا ب (أذكر) محذوفا وهو المعني في نظائره من القصص.
والمراد بالقوم بعضهم إما جماعة منهم وهم أهل الموعظة وإما موسى عليهالسلام أطلق عليه اسم القوم لأن أقواله قدوة للقوم فكأنهم قالوا قوله.
والفرح يطلق على السرور كما في قوله تعالى (وَفَرِحُوا بِها) في يونس [٢٢]. ويطلق على البطر والازدهاء ، وهو الفرح المفرط المذموم ، وتقدم في قوله تعالى (وَفَرِحُوا بِالْحَياةِ الدُّنْيا) في سورة الرعد [٢٦] وهو التمحض للفرح. والفرح المنهيّ عنه هو المفرط منه ، أي الذي تمحض للتعلق بمتاع الدنيا ولذات النفس به لأن الانكباب على ذلك يميت من النفس الاهتمام بالأعمال الصالحة والمنافسة لاكتسابها فينحدر به التوغل في الإقبال على اللذات إلى حضيض الإعراض عن الكمال النفساني والاهتمام بالآداب الدينية ، فحذف المتعلق بالفعل لدلالة المقام على أن المعنى لا تفرح بلذات الدنيا معرضا عن الدين والعمل للآخرة كما أفصح عنه قوله (وَابْتَغِ فِيما آتاكَ اللهُ الدَّارَ الْآخِرَةَ). وأحسب أن الفرح إذا لم يعلق به شيء دل على أنه صار سجية الموصوف فصار مرادا به العجب والبطر. وقد أشير إلى بيان المقصود تعضيدا لدلالة المقام بقوله (إِنَّ اللهَ لا يُحِبُّ الْفَرِحِينَ) ، أي المفرطين في الفرح فإن صيغة (فعل) صيغة مبالغة مع الإشارة إلى تعليل النهي ، فالجملة علة للتي قبلها ، والمبالغة في الفرح تقتضي شدة الإقبال على ما يفرح به وهي تستلزم الإعراض عن غيره فصار النهي عن شدة الفرح رمزا إلى الإعراض عن الجد والواجب في ذلك.
وابتغاء الدار الآخرة طلبها ، أي طلب نعيمها وثوابها. وعلق بفعل الابتغاء قوله (فِيما آتاكَ اللهُ) بحرف الظرفية ، أي اطلب بمعظمه وأكثره. والظرفية مجازية للدلالة على تغلغل ابتغاء الدار الآخرة في ما آتاه الله وما آتاه هو كنوز المال ، فالظرفية هنا كالتي في