قوله تعالى (وَاذْكُرُوهُ كَما هَداكُمْ) [البقرة : ١٩٨]. والتحقيق أن التعليل حاصل من معنى التشبيه وليس معنى مستقلا من معاني الكاف.
وحذف متعلق الإحسان لتعميم ما يحسن إليه فيشمل نفسه وقومه ودوابه ومخلوقات الله الداخلة في دائرة التمكن من الإحسان إليها. وفي الحديث : «إن الله كتب الإحسان على كل شيء» فالإحسان في كل شيء بحسبه ، والإحسان لكل شيء بما يناسبه حتى الأذى المأذون فيه فبقدره ويكون بحسن القول وطلاقة الوجه وحسن اللقاء.
وعطف (لا تَبْغِ الْفَسادَ فِي الْأَرْضِ) للتحذير من خلط الإحسان بالفساد فإن الفساد ضد الإحسان ، فالأمر بالإحسان يقتضي النهي عن الفساد وإنما نص عليه لأنه لما تعددت موارد الإحسان والإساءة فقد يغيب عن الذهن أن الإساءة إلى شيء مع الإحسان إلى أشياء يعتبر غير إحسان.
والمراد بالأرض أرضهم التي هم حالّون بها ، وإذ قد كانت جزءا من الكرة الأرضية فالإفساد فيها إفساد مظروف في عموم الأرض. وقد تقدمت نظائره منها في قوله تعالى (وَإِذا تَوَلَّى سَعى فِي الْأَرْضِ لِيُفْسِدَ فِيها) في سورة البقرة [٢٠٥].
وجملة (إِنَّ اللهَ لا يُحِبُّ الْمُفْسِدِينَ) علة للنهي عن الإفساد ، لأن العمل الذي لا يحبه الله لا يجوز لعباده عمله ، وقد كان (قارُونَ) موحّدا على دين إسرائيل ولكنه كان شاكّا في صدق مواعيد موسى وفي تشريعاته.
(قالَ إِنَّما أُوتِيتُهُ عَلى عِلْمٍ عِنْدِي أَوَلَمْ يَعْلَمْ أَنَّ اللهَ قَدْ أَهْلَكَ مِنْ قَبْلِهِ مِنَ الْقُرُونِ مَنْ هُوَ أَشَدُّ مِنْهُ قُوَّةً وَأَكْثَرُ جَمْعاً وَلا يُسْئَلُ عَنْ ذُنُوبِهِمُ الْمُجْرِمُونَ (٧٨))
جواب عن موعظة واعظيه من قومه. وقد جاء على أسلوب حكاية المحاورات فلم يعطف وهو جواب متصلف حاول به إفحامهم وأن يقطعوا موعظتهم لأنها أمرّت بطره وازدهاءه.
و (إِنَّما) هذه هي أداة الحصر المركبة من (إنّ) و (ما) الكافة مصيّرتين كلمة واحدة وهي التي حقها أن تكتب موصولة النون بميم (ما). والمعنى : ما أوتيت هذا المال إلا على علم علمته.
وضمير (أُوتِيتُهُ) عائد إلى (ما) الموصولة في قولهم (وَابْتَغِ فِيما آتاكَ اللهُ الدَّارَ