ومعنى (فَلَهُ خَيْرٌ مِنْها) أن كل حسنة تحتوي على خير لا محالة يصل إلى نفس المحسن أو إلى غيره فللجائي بالحسنة خير أفضل مما في حسنته من الخير ، أو فله من الله إحسان عليها خير من الإحسان الذي في الحسنة قال تعالى في آيات أخرى (فَلَهُ عَشْرُ أَمْثالِها) [الأنعام : ١٦٠] أي فله من الجزاء حسنات أمثالها وهو تقدير يعلمه الله.
ولما ذكر جزاء الإحسان أعقب بضد ذلك مع مقابلة فضل الله تعالى على المحسن بعدله مع المسيء على عادة القرآن من قرن الترغيب بالترهيب.
و (مَنْ جاءَ بِالسَّيِّئَةِ) ما صدقه الذين عملوا السيئات ، و (الَّذِينَ عَمِلُوا السَّيِّئاتِ) الثاني هو عين (مَنْ جاءَ بِالسَّيِّئَةِ) فكان المقام مقام الإضمار بأن يقال : ومن جاء بالسيئة فلا يجزون إلخ ؛ ولكنه عدل عن مقتضى الظاهر لأن في التصريح بوصفهم ب (عَمِلُوا السَّيِّئاتِ) تكريرا لإسناد عمل السيئات إليهم لقصد تهجين هذا العمل الذميم وتبغيض السيئة إلى قلوب السامعين من المؤمنين.
وفي قوله (إِلَّا ما كانُوا يَعْمَلُونَ) استثناء مفرغ عن فعل (يُجْزَى) المنفي المفيد بالنفي عموم أنواع الجزاء ، والمستثنى تشبيه بليغ ، أي جزاء شبه الذي كانوا يعملونه. والمراد المشابهة والمماثلة في عرف الدين ، أي جزاء وفاقا لما كانوا يعملون وجاريا على مقداره لا حيف فيه وذلك موكول إلى العلم الإلهي.
(إِنَّ الَّذِي فَرَضَ عَلَيْكَ الْقُرْآنَ لَرادُّكَ إِلى مَعادٍ قُلْ رَبِّي أَعْلَمُ مَنْ جاءَ بِالْهُدى وَمَنْ هُوَ فِي ضَلالٍ مُبِينٍ (٨٥))
ابتداء كلام للتنويه بشأن محمد صلىاللهعليهوسلم وتثبيت فؤاده ووعده بحسن العاقبة في الدنيا والآخرة ، وأن إنكار أهل الضلال رسالته لا يضيره لأن الله أعلم بأنه على هدى وأنهم على ضلال بعد أن قدم لذلك من أحوال رسالة موسى عليهالسلام ما فيه عبرة بالمقارنة بين حالي الرسولين وما لقياه من المعرضين.
وافتتاح الكلام بحرف التأكيد للاهتمام به. وجيء بالمسند إليه اسم موصول دون اسمه تعالى العلم لما في الصلة من الإيماء إلى وجه بناء الخبر. وأنه خبر الكرامة والتأييد أي أن الذي أعطاك القرآن ما كان إلا مقدّرا نصرك وكرامتك ؛ لأن إعطاء القرآن شيء لا نظير له فهو دليل على كمال عناية الله بالمعطى. قال كعب بن زهير :
مهلا هداك الذي أعطاك نافلة ال |
|
قرآن فيها مواعيظ وتفصيل |