ثم تكون جملة (قُلْ رَبِّي أَعْلَمُ مَنْ جاءَ بِالْهُدى) بالنسبة إلى الوجه الأول بمنزلة التفريع على جملة (لَرادُّكَ إِلى مَعادٍ) ، أي رادّك إلى يوم المعاد فمظهر المهتدي والضالين ، فيكون علم الله بالمهتدي والضالّ مكنى به عن اتضاح الأمر بلا ريب لأن علم الله تعالى لا يعتريه تلبيس وتكون هذه الكناية تعريضا بالمشركين أنهم الضالون. وأن النبي صلىاللهعليهوسلم هو المهتدي.
ولهذه النكتة عبّر عن جانب المهتدي بفعل (مَنْ جاءَ) للإشارة إلى أن المهتدي هو الذي جاء بهدي لم يكن معروفا من قبل كما يقتضيه : جاء بكذا. وعبر عن جانب الضالين بالجملة الاسمية المقتضية ثبات الضلال المشعر بأن الضلال هو أمرهم القديم الراسخ فيهم مع ما أفاده حرف الظرفية من انغماسهم في الضلال وإحاطته بهم. ويكون المعنى حينئذ على حد قوله تعالى (وَإِنَّا أَوْ إِيَّاكُمْ لَعَلى هُدىً أَوْ فِي ضَلالٍ مُبِينٍ) [سبأ : ٢٤] لظهور أن المبلغ لهذا الكلام لا يفرض في حقه أن يكون هو الشق الضال فيتعين أن الضال من خالفه.
وبالنسبة إلى الوجه الثاني تكون بمنزلة الموادعة والمتاركة وقطع المجادلة. فالمعنى : عدّ عن إثبات هداك وضلالهم وكلّهم إلى يوم ردك إلى معادك يوم يتبين أن الله نصرك وخذلهم. وعلى المعنيين فجملة (قُلْ رَبِّي أَعْلَمُ) مستأنفة استئنافا بيانيا عن جملة (إِنَّ الَّذِي فَرَضَ عَلَيْكَ الْقُرْآنَ) جوابا لسؤال سائل يثيره أحد المعنيين.
وفي تقديم جملة (إِنَّ الَّذِي فَرَضَ عَلَيْكَ الْقُرْآنَ لَرادُّكَ إِلى مَعادٍ) على جملة (قُلْ رَبِّي أَعْلَمُ مَنْ جاءَ بِالْهُدى) إعداد لصلاحية الجملة الثانية للمعنيين المذكورين. فهذا من الدلالة على معاني الكلام بمواقعه وترتيب نظامه وتقديم الجمل عن مواضع تأخيرها لتوفير المعاني.
[٨٦ ، ٨٧] (وَما كُنْتَ تَرْجُوا أَنْ يُلْقى إِلَيْكَ الْكِتابُ إِلاَّ رَحْمَةً مِنْ رَبِّكَ فَلا تَكُونَنَّ ظَهِيراً لِلْكافِرِينَ (٨٦) وَلا يَصُدُّنَّكَ عَنْ آياتِ اللهِ بَعْدَ إِذْ أُنْزِلَتْ إِلَيْكَ وَادْعُ إِلى رَبِّكَ وَلا تَكُونَنَّ مِنَ الْمُشْرِكِينَ (٨٧))
(وَما كُنْتَ تَرْجُوا أَنْ يُلْقى إِلَيْكَ الْكِتابُ إِلَّا رَحْمَةً مِنْ رَبِّكَ).
عطف على جملة : (إِنَّ الَّذِي فَرَضَ عَلَيْكَ الْقُرْآنَ) [القصص : ٨٥] إلخ باعتبار ما تضمنته من الوعد بالثواب الجزيل أو بالنصر المبين ، أي كما حملك تبليغ القرآن فكان