من إثبات تعلقين لعلم الله تعالى : أحدهما قديم ، والآخر تنجيزي حادث. ولا يفضي ذلك إلى اتصاف الله تعالى بوصف حادث لأن تعلق الصفة تحقق مقتضاها في الخارج لا في ذات موصوفها ، وتقدم عند قوله تعالى (إِلَّا لِنَعْلَمَ مَنْ يَتَّبِعُ الرَّسُولَ) في سورة البقرة [١٤٣] ، وقوله (وَلِيَعْلَمَ اللهُ الَّذِينَ آمَنُوا وَيَتَّخِذَ مِنْكُمْ شُهَداءَ) في آل عمران [١٤٠].
ولك أن تجعل العلم هنا مكنى به عن وعد الصادقين ووعيد الكاذبين لأن العلم سبب للجزاء بما يقتضيه فكانت الكناية مقصودة وهو المعنى الأهم.
وقد عدل في قوله (فَلَيَعْلَمَنَّ اللهُ) عن طريق التكلم إلى طريق الغيبة بإظهار اسم الجلالة على أسلوب الالتفات لما في هذا الإظهار من الجلالة ليعلم أن الجزاء على ذلك جزاء مالك الملك.
وتعريف المتصفين بصدق الإيمان بالموصول والصلة الماضوية لإفادة أنهم اشتهروا بحدثان صدق الإيمان وأن صدقهم محقق.
وأما تعريف المتصفين بالكذب بطريق التعريف باللام وبصيغة اسم الفاعل فلإفادة أنهم عهدوا بهذا الوصف وتميزوا به مع ما في ذلك من التفنن والرعاية على الفاصلة.
روى الطبري عن عبد الله بن عبيد بن عمير قال : نزلت هذه الآية (الم أَحَسِبَ النَّاسُ أَنْ يُتْرَكُوا) إلى قوله (وَلَيَعْلَمَنَّ الْكاذِبِينَ) [العنكبوت : ١ ـ ٣] في عمار بن ياسر إذ كان يعذّب في الله ، أي وأمثاله عياش بن أبي ربيعة ، والوليد بن الوليد ، وسلمة بن هشام ممن كانوا يعذبون بمكة وكان النبي صلىاللهعليهوسلم يدعو لهم الله بالنجاة لهم وللمستضعفين من المؤمنين.
(أَمْ حَسِبَ الَّذِينَ يَعْمَلُونَ السَّيِّئاتِ أَنْ يَسْبِقُونا ساءَ ما يَحْكُمُونَ (٤))
أعقب تثبيت المؤمنين على ما يصيبهم من فتون المشركين وما في ذلك من الوعد والوعيد بزجر المشركين على ما يعملونه من السيئات في جانب المؤمنين وأعظم تلك السيئات فتونهم المسلمين. فالمراد بالذين يعملون السيئات الفاتنون للمؤمنين.
وهذا ووعيدهم بأن الله لا يفلتهم. وفي هذا أيضا زيادة تثبيت للمؤمنين بأن الله ينصرهم من أعدائهم.
ف (أَمْ) للإضراب الانتقالي ويقدر بعدها استفهام إنكاري.
و (السَّيِّئاتِ) : الأعمال السوء. وهي التنكيل والتعذيب وفتون المسلمين.