والسبق : مستعمل مجازا في النجاة والانفلات كقول مرة بن عدّاء الفقعسي :
كأنك لم تسبق من الدهر مرة |
|
إذا أنت أدركت الذي كنت تطلب |
وقوله تعالى (وَما نَحْنُ بِمَسْبُوقِينَ عَلى أَنْ نُبَدِّلَ أَمْثالَكُمْ) [الواقعة : ٦٠ ، ٦١] وقوله (فَاسْتَكْبَرُوا فِي الْأَرْضِ وَما كانُوا سابِقِينَ فَكُلًّا أَخَذْنا بِذَنْبِهِ) [العنكبوت : ٣٩ ، ٤٠].
وقد تقدم عند قوله تعالى (وَلا يَحْسَبَنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا سَبَقُوا) في سورة الأنفال [٥٩]. والمعنى : أم حسبوا أن قد شفوا غيظهم من المؤمنين ، فهم بذلك غلبوا أولياءنا فغلبونا.
وجملة (ساءَ ما يَحْكُمُونَ) ذمّ لحسبانهم ذلك وإبطال له. فهي مقررة لمعنى الإنكار في جملة (أَمْ حَسِبَ الَّذِينَ يَعْمَلُونَ السَّيِّئاتِ) فلها حكم التوكيد فلذلك فصلت.
وهذه الجملة تقتضي أن يكون هذا الحسبان واقعا منهم. ومعنى وقوعه : أنهم اعتقدوا ما يساوي هذا الحسبان لأنهم حين لم يستطع المؤمنون رد فتنتهم قد اغتروا بأنهم غلبوا المؤمنين ، وإذ قد كان المؤمنون يدعون إلى الله دون الأصنام فمن غلبهم فقد حسب أنه غلب من يدعون إليه وهم لا يشعرون بهذا الحسبان ، فافهمه.
والحكم مستعمل في معنى الظن والاعتقاد تهكما بهم بأنهم نصبوا أنفسهم منصب الذي يحكم فيطاع و (ما يَحْكُمُونَ) موصول وصلته ، أي ساء الحكم الذي يحكمونه.
وهذه الآية وإن كانت واردة في شأن المشركين المؤذين للمؤمنين فهي تشير إلى تحذير المسلمين من مشابهتهم في اقتراف السيئات استخفافا بوعيد الله عليها لأنهم في ذلك يأخذون بشيء من مشابهة حسبان الانفلات ، وإن كان المؤمن لا يظن ذلك ولكنه ينزل منزلة من يظنه لإعراضه عن الوعيد حين يقترف السيئة.
(مَنْ كانَ يَرْجُوا لِقاءَ اللهِ فَإِنَّ أَجَلَ اللهِ لَآتٍ وَهُوَ السَّمِيعُ الْعَلِيمُ (٥))
هذا مسوق للمؤمنين خاصة لأنهم الذين يرجون لقاء الله ، فالجملة مفيدة التصريح بما أومأ إليه قوله (أَنْ يَسْبِقُونا) [العنكبوت : ٤] من الوعد بنصر المؤمنين على عدوّهم مبينة لها ولذلك فصلت. ولو لا هذا الوقع لكان حق الإخبار بها أن يجيء بواسطة حرف العطف.
ورجاء لقاء الله : ظنّ وقوع الحضور لحساب الله.
و (لِقاءَ اللهِ) : الحشر للجزاء لأن الناس يتلقون خطاب الله المتعلق بهم ، لهم أو عليهم ، مباشرة بدون واسطة ، وقد تقدم في قوله (الَّذِينَ يَظُنُّونَ أَنَّهُمْ مُلاقُوا رَبِّهِمْ) [البقرة :