(وَالَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحاتِ لَنُكَفِّرَنَّ عَنْهُمْ سَيِّئاتِهِمْ وَلَنَجْزِيَنَّهُمْ أَحْسَنَ الَّذِي كانُوا يَعْمَلُونَ (٧))
يجوز أن يكون عطفا على جملة (أَمْ حَسِبَ الَّذِينَ يَعْمَلُونَ السَّيِّئاتِ أَنْ يَسْبِقُونا) [العنكبوت : ٤] لما تضمنته الجملة المعطوف عليها من التهديد والوعيد ، فعطف عليها ما هو وعد وبشارة للذين آمنوا وعملوا الصالحات مع ما أفضى إلى ذكر هذا الوعد من قوله قبله (وَمَنْ جاهَدَ فَإِنَّما يُجاهِدُ لِنَفْسِهِ) [العنكبوت : ٦] فإن مضمون جملة (وَالَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحاتِ) الآية يفيد بيان كون جهاد من جاهد لنفسه.
ويجوز أن تكون عطفا على جملة (وَمَنْ جاهَدَ فَإِنَّما يُجاهِدُ لِنَفْسِهِ) [العنكبوت : ٦ وسلك بها طريق العطف باعتبار ما أومأ إليه الموصول وصلته من أن سبب هذا الجزاء الحسن هو أنهم آمنوا وعملوا الصالحات وهو على الوجه إظهار في مقام الإضمار لنكتة هذا الإيماء.
فالجزاء فضل لأن العبد إذا امتثل أمر الله فإنما دفع عن نفسه تبعة العصيان ؛ فأما الجزاء على طاعة مولاه فذلك فضل من المولى ، وغفران ما تقدم من سيئاتهم فضل عظيم لأنهم كانوا أحقاء بأن يؤاخذوا بما عملوه وبأن إقلاعهم عن ذلك في المستقبل لا يقتضي التجاوز عن الماضي لكنه زيادة في الفضل.
وانتصب (أَحْسَنَ) على أنه وصف لمصدر محذوف هو مفعول مطلق من فعل (لَنَجْزِيَنَّهُمْ). والتقدير : ولنجزينهم جزاء أحسن.
وإضافته إلى (الَّذِي كانُوا يَعْمَلُونَ) لإفادة عظم الجزاء كله فهو مقدّر بأحسن أعمالهم. وتقدير الكلام : لنجزينهم عن جميع صالحاتهم جزاء أحسن صالحاتهم. وشمل هذا من يكونون مشركين فيؤمنون ويعملون الصالحات بعد نزول هذه الآية.
[٨ ـ ٩] (وَوَصَّيْنَا الْإِنْسانَ بِوالِدَيْهِ حُسْناً وَإِنْ جاهَداكَ لِتُشْرِكَ بِي ما لَيْسَ لَكَ بِهِ عِلْمٌ فَلا تُطِعْهُما إِلَيَّ مَرْجِعُكُمْ فَأُنَبِّئُكُمْ بِما كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ (٨) وَالَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحاتِ لَنُدْخِلَنَّهُمْ فِي الصَّالِحِينَ (٩))
لم يترك القرآن فاذّة من أحوال علائق المسلمين بالمشركين إلا بين واجبهم فيها المناسب لإيمانهم ، ومن أشد تلك العلائق علاقة النسب فالنسب بين المشرك والمؤمن