ففيه وعد بأن الله تعالى ناصر المسلمين وأن المنافقين قائلون ذلك حينئذ ، ولعل ذلك حصل يوم فتح مكة فقال ذلك من كان حيا من هذا الفريق ، وهو قول يريدون به نيل رتبة السابقية في الإسلام. وذكر أهل التاريخ أن الأقرع بن حابس ، وعيينة بن حصن ، وسهيل ابن عمرو ، وجماعة من وجوه العرب كانوا على باب عمر ينتظرون الإذن لهم ، وكان على الباب بلال وسلمان وعمار بن ياسر ، فخرج إذن عمر أن يدخل سلمان وبلال وعمار فتمعرت وجوه البقية فقال لهم سهيل بن عمرو : «لم تتمعر وجوهكم ، دعوا ودعينا فأسرعوا وأبطأنا ولئن حسدتموهم على باب عمر لما أعد الله لهم في الجنة أكثر».
وقوله (أَوَلَيْسَ اللهُ بِأَعْلَمَ بِما فِي صُدُورِ الْعالَمِينَ) تذييل ، والواو اعتراضية ، والاستفهام إنكاري إنكارا عليهم قولهم (آمَنَّا بِاللهِ) وقولهم (إِنَّا كُنَّا مَعَكُمْ) ، لأنهم قالوا قولهم ذلك ظنا منهم أن يروج كذبهم ونفاقهم على رسول الله ، فكان الإنكار عليهم متضمنا أنهم كاذبون في قوليهم المذكورين.
والخطاب موجه للنبي صلىاللهعليهوسلم لقصد إسماعهم هذا الخطاب فإنهم يحضرون مجالس النبي والمؤمنين ويستمعون ما ينزل من القرآن وما يتلى منه بعد نزوله ، فيشعرون أن الله مطلع على ضمائرهم.
ويجوز أن يكون الاستفهام تقريريا وجه الله به الخطاب للنبي صلىاللهعليهوسلم في صورة التقرير بما أنعم الله به عليه من إنبائه بأحوال الملتبسين بالنفاق. وهذا الأسلوب شائع في الاستفهام التقريري وكثيرا ما يلتبس بالإنكاري ولا يفرق بينهما إلا المقام ، أي فلا تصدق مقالهم.
والتفضيل في قوله (بِأَعْلَمَ) مراعى فيه علم بعض المسلمين ببعض ما في صدور هؤلاء المنافقين ممن أوتوا فراسة وصدق نظر. ولك أن تجعل اسم التفضيل مسلوب المفاضلة ، أي أليس الله عالما علما تفصيليا لا تخفى عليه خافية.
(وَلَيَعْلَمَنَّ اللهُ الَّذِينَ آمَنُوا وَلَيَعْلَمَنَّ الْمُنافِقِينَ (١١))
خص بالذكر فريقان هما ممن شمله عموم قوله (الْعالَمِينَ) [العنكبوت : ١٠] اهتماما بهذين الفريقين وحاليهما : فريق الذين آمنوا ، وفريق المنافقين لأن العلم بما في صدور الفريقين من إيمان ونفاق يترتب عليه الجزاء المناسب لحاليهما في العاجل والآجل ، فذلك ترغيب وترهيب.