والحمل المنفي هو ما كان المقصود منه دفع التبعة عن الغير وتبرئته من جناياته ، فلا ينافيه إثبات حمل آخر عليهم هو حمل المؤاخذة على التضليل في قوله (وَلَيَحْمِلُنَّ أَثْقالَهُمْ وَأَثْقالاً مَعَ أَثْقالِهِمْ) [العنكبوت : ١٣].
والكذب المخبر به عنهم هو الكذب فيما اقتضاه أمرهم أنفسهم بأن يحملوا عن المسلمين خطاياهم حسب زعمهم والوفاء بذلك كما كانوا في الدنيا فهو كذب لا شك فيه لأنه مخالف للواقع ولاعتقادهم.
ولذلك فجملة (إِنَّهُمْ لَكاذِبُونَ) بدل اشتمال من جملة (وَما هُمْ بِحامِلِينَ مِنْ خَطاياهُمْ مِنْ شَيْءٍ) لأن جملة (وَما هُمْ بِحامِلِينَ مِنْ خَطاياهُمْ مِنْ شَيْءٍ) تضمنت عروّ قولهم (وَلْنَحْمِلْ خَطاياكُمْ) عن مطابقته للواقع في شيء وذلك يشتمل على أن مضمونها كذب صريح ، فكان مضمون جملة (إِنَّهُمْ لَكاذِبُونَ) مما اشتمل عليه مضمون جملة (وَما هُمْ بِحامِلِينَ). وليس مضمون الثانية عين مضمون الأولى بل الثانية أوفى بالدلالة على أن كذبهم محقق وأنه صفة لهم في خبرهم هذا وفي غيره ، ووزان هذه الجملة وزان بيت علم المعاني :
أقول له ارحل لا تقيمن عندنا
إذ جعل الأئمة جملة (لا تقيمن عندنا) بدل اشتمال من جملة (ارحل) لأن جملة (لا تقيمن) أوفى بالدلالة على كراهيته وطلب ارتحاله ، ولهذا لم تعطف جملة (إِنَّهُمْ لَكاذِبُونَ) لكمال الاتصال بينها وبين (وَما هُمْ بِحامِلِينَ مِنْ خَطاياهُمْ مِنْ شَيْءٍ).
(وَلَيَحْمِلُنَّ أَثْقالَهُمْ وَأَثْقالاً مَعَ أَثْقالِهِمْ وَلَيُسْئَلُنَّ يَوْمَ الْقِيامَةِ عَمَّا كانُوا يَفْتَرُونَ (١٣))
بعد أن كذبهم في قولهم (وَلْنَحْمِلْ خَطاياكُمْ) [العنكبوت : ١٢] وكشف كيدهم بالمسلمين عطف عليه ما أفاد أنهم غير ناجين من حمل تبعات لأقوام آخرين وهم الأقوام الذين أضلوهم وسوّلوا لهم الشرك والبهتان على وجه التأكيد بحملهم ذلك. فذكر الحمل تمثيل. والأثقال مجاز عن الذنوب والتبعات. وهو تمثيل للشقاء والعناء يوم القيامة بحال الذي يحمل متاعه وهو موقر به فيزاد حمل أمتعة أناس آخرين.
وقد علم من مقام المقابلة أن هذا حمل تثقيل وزيادة في العذاب وليس حملا يدفع التبعة عن المحمول عنه ، وأن الأثقال المحمولة مع أثقالهم هي ذنوب الذين أضلوهم