وقوله (وَجَعَلْناها آيَةً لِلْعالَمِينَ) الضمير للسفينة. ومعنى كونها آية أنها دليل على وقوع الطوفان عذابا من الله للمكذبين الرسل ، فكانت السفينة آية ماثلة في عصور جميع الأمم الذين جاءتهم الرسل بعد نوح موعظة للمكذبين وحجة للمؤمنين. وقد أبقى الله بقية السفينة إلى صدر الأمة الإسلامية ففي «صحيح البخاري» : «قال قتادة : بقيت بقايا السفينة على الجودي حتى نظرتها أوائل هذه الأمة». ويقال إنها دامت إلى أوائل الدولة العباسية ثم غمرتها الثلوج. وكان الجودي قرب (باقردى) وهي قرية من جزيرة ابن عمر بالموصل شرقي دجلة (وباقردى بموحدة بعدها ألف ثم قاف مكسورة ويجوز فتحها ودال فألف مقصورة) وقال تعالى في سورة القمر [١٥] (وَلَقَدْ تَرَكْناها آيَةً فَهَلْ مِنْ مُدَّكِرٍ).
وإنما قال (لِلْعالَمِينَ) الشامل لجميع سكان الأرض لأن من لم يشاهد بقايا سفينة نوح يشاهد السفن فيتذكر سفينة نوح وكيف كان صنعها بوحي من الله لإنجاء نوح ومن شاء الله نجاته ، ولأن الذين من أهل قريتها يخبرون عنها وتنقل أخبارهم فتصير متواترة.
هذا وقد وقع في الإصحاح الثامن من سفر التكوين من التوراة «واستقر الفلك على جبال آراراط» ، وقد اختلف الباحثون في تعيين جبال أراراط ، فمنهم من قال : إنه اسم الجودي وعينوا أنه من جبال بلاد الأكراد في الحد الجنوبي لأرمينيا في سهول ما بين النهرين ووصفوه بأن نهر دجلة يجري بين مرتفعاته بحيث لا يمكن العبور بين الجبل ونهر دجلة إلا في الصيف ، وأيدوا قولهم بوجود بقيد سفينة على قمة ذلك الجبل. وبعضهم زعم أن (أراراط) في بلاد إرمينيا وهو قريب من القول الأول لتجاور مواطن الكردستان وإرمينيا وقد تختلف حدود المواطن باختلاف الدول والفتوح.
ويجوز أن يكون ضمير النصب في (وَجَعَلْناها) عائدا إلى الخبر المذكور بتأويل القصة أو الحادثة.
[١٦ ـ ١٧] (وَإِبْراهِيمَ إِذْ قالَ لِقَوْمِهِ اعْبُدُوا اللهَ وَاتَّقُوهُ ذلِكُمْ خَيْرٌ لَكُمْ إِنْ كُنْتُمْ تَعْلَمُونَ (١٦) إِنَّما تَعْبُدُونَ مِنْ دُونِ اللهِ أَوْثاناً وَتَخْلُقُونَ إِفْكاً إِنَّ الَّذِينَ تَعْبُدُونَ مِنْ دُونِ اللهِ لا يَمْلِكُونَ لَكُمْ رِزْقاً فَابْتَغُوا عِنْدَ اللهِ الرِّزْقَ وَاعْبُدُوهُ وَاشْكُرُوا لَهُ إِلَيْهِ تُرْجَعُونَ (١٧))
انتقل من خبر نوح إلى خبر إبراهيم لمناسبة إنجاء إبراهيم من النار كإنجاء نوح من الماء. وفيه تنبيه إلى عظم القدرة إذ أنجت من الماء ومن النار.