(وَإِنْ تُكَذِّبُوا فَقَدْ كَذَّبَ أُمَمٌ مِنْ قَبْلِكُمْ وَما عَلَى الرَّسُولِ إِلاَّ الْبَلاغُ الْمُبِينُ (١٨))
يجوز أن تكون هذه الجملة من بقية مقالة إبراهيم عليهالسلام بأن يكون رأى منهم مخائل التكذيب ففرض وقوعه ، أو يكون سبق تكذيبهم إياه مقالته هذه ، فيكون الغرض من هذه الجملة لازم الخبر وهو أن تكذيبهم إياه ليس بعجيب فلا يضيره ولا يحسبوا أنهم يضيرونه به ويتشفون منه فإن ذلك قد انتاب الرسل قبله من أممهم ، ولذلك أجمع القراء على قراءة فعل (تُكَذِّبُوا) بتاء الخطاب ولم يختلفوا فيه اختلافهم في قراءة قوله (أَوَلَمْ يَرَوْا كَيْفَ يُبْدِئُ اللهُ الْخَلْقَ) [العنكبوت : ١٩] إلخ.
ويجوز أن تكون الجملة معترضة والواو اعتراضية واعترض هذا الكلام بين كلام إبراهيم وجواب قومه ، فهو كلام موجه من جانب الله تعالى إلى المشركين التفت به من الغيبة إلى الخطاب تسجيلا عليهم ، والمقصود منه بيان فائدة سوق قصة نوح وإبراهيم وأن للرسولصلىاللهعليهوسلم إسوة برسل الأمم الذين قبله وخاصة إبراهيم جدّ العرب المقصودين بالخطاب على هذا الوجه.
وجملة (وَما عَلَى الرَّسُولِ إِلَّا الْبَلاغُ الْمُبِينُ) إعلام للمخاطبين بأن تكذيبهم لا يلحقه منه ما فيه تشف منه ؛ فإن كان من كلام إبراهيم فالمراد بالرسول إبراهيم سلك مسلك الإظهار في مقام الإضمار لإيذان عنوان الرسول بأن واجبه إبلاغ ما أرسل به بيّنا واضحا ، وإن كان من خطاب الله مشركي قريش فالمراد بالرسول محمد صلىاللهعليهوسلم وقد غلب عليه هذا الوصف في القرآن مع الإيذان بأن عنوان الرسالة لا يقتضي إلا التبليغ الواضح.
(أَوَلَمْ يَرَوْا كَيْفَ يُبْدِئُ اللهُ الْخَلْقَ ثُمَّ يُعِيدُهُ إِنَّ ذلِكَ عَلَى اللهِ يَسِيرٌ (١٩))
يجري هذا الكلام على الوجهين المذكورين في قوله (وَإِنْ تُكَذِّبُوا) [العنكبوت : ١٨].
ويترجح أن هذا مسوق من جانب الله تعالى إلى المشركين بأن الجمهور قرءوا (أَوَلَمْ يَرَوْا) بياء الغيبة ولم يجر مثل قوله (وَإِنْ تُكَذِّبُوا فَقَدْ كَذَّبَ أُمَمٌ مِنْ قَبْلِكُمْ) [العنكبوت: ١٨]. ومناسبة التعرض لهذا هو ما جرى من الإشارة إلى البعث في قوله (إِلَيْهِ تُرْجَعُونَ) [العنكبوت : ١٧] تنظيرا لحال مشركي العرب بحال قوم إبراهيم.