وتقديم المجرور على عامله للاهتمام والتأكيد إذ ليس المقام للحصر إذ ليس ثمة اعتقاد مردود. وفي هذا إعادة إثبات وقوع البعث وتعريض بالوعيد.
(وَما أَنْتُمْ بِمُعْجِزِينَ فِي الْأَرْضِ وَلا فِي السَّماءِ وَما لَكُمْ مِنْ دُونِ اللهِ مِنْ وَلِيٍّ وَلا نَصِيرٍ (٢٢))
عطف على جملة (وَإِلَيْهِ تُقْلَبُونَ) [العنكبوت : ٢١] باعتبار ما تضمنته من الوعيد.
والمعجز حقيقته : هو الذي يجعل غيره عاجزا عن فعل ما ، وهو هنا مجاز في الغلبة والانفلات من المكنة ، وقد تقدم عند قوله تعالى (إِنَّ ما تُوعَدُونَ لَآتٍ وَما أَنْتُمْ بِمُعْجِزِينَ) في سورة الأنعام [١٣٤].
فالمعنى : وما أنتم بمفلتين من العذاب. ومفعول (معجزين) محذوف للعلم به ، أي بمعجزين الله.
ويتعلق قوله (فِي الْأَرْضِ بِمُعْجِزِينَ) ، أي ليس لكم انفلات في الأرض ، أي لا تجدون موئلا ينجيكم من قدرتنا عليكم في مكان من الأرض سهلها وجبلها ، وبدوها وحضرها.
وعطف (وَلا فِي السَّماءِ) على (فِي الْأَرْضِ) احتراس وتأييس من الطمع في النجاة وإن كانوا لا مطمع لهم في الالتحاق بالسماء. وهذا كقول الأعشى :
فلو كنت في جبّ ثمانين قامة |
|
ورقّيت أسباب السماء بسلّم |
ومنه قوله تعالى (لا يَمْلِكُونَ مِثْقالَ ذَرَّةٍ فِي السَّماواتِ وَلا فِي الْأَرْضِ) [سبأ : ٢٢] ، ولم تقع مثل هذه الزيادة في آية سورة الشورى [٣٠ ، ٣١] (وَيَعْفُوا عَنْ كَثِيرٍ* وَما أَنْتُمْ بِمُعْجِزِينَ فِي الْأَرْضِ وَما لَكُمْ مِنْ دُونِ اللهِ مِنْ وَلِيٍّ وَلا نَصِيرٍ) لأن تلك الآية جمعت خطابا للمسلمين والمشركين بقوله (وَما أَصابَكُمْ مِنْ مُصِيبَةٍ فَبِما كَسَبَتْ أَيْدِيكُمْ وَيَعْفُوا عَنْ كَثِيرٍ) [الشورى : ٣٠] إذ العفو عن المسلمين. وما هنا من المبالغة المفروضة وهي من المبالغة المقبولة كما في قول أبي بن سلمي الضبي :
ولو طار ذو حافر قبلها |
|
لطارت ولكنه لم يطر |
وهي أظهر في قوله تعالى (يا مَعْشَرَ الْجِنِّ وَالْإِنْسِ إِنِ اسْتَطَعْتُمْ أَنْ تَنْفُذُوا مِنْ أَقْطارِ السَّماواتِ وَالْأَرْضِ فَانْفُذُوا) [الرحمن : ٣٣]. وفي هذه إشارة إلى إبطال اغترارهم بتأخير